التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ
٦٦
وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ
٦٧
وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ
٦٨
وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ
٦٩
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٧٠
-يس

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو بكر وحده مكاناتهم على الجمع والباقون على التوحيد وقد تقدَّم ذكر ذلك وقرأ عاصم وحمزة وسهل ننكسه بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف وتشديدها وقرأ الباقون بضم الكاف وتخفيفها وقرأ أهل المدينة والشام ويعقوب وسهل لتنذر بالتاء والباقون بالياء.
الحجة: يقال نكَسْته ونكَّسته وأنكسه وأُنكِّسُه مثل رددت وردَّدت غير أن التشديد للتكثير والتخفيف يحتمل القليل والكثير ومن قرأ لتنذر بالتاء فهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ومن قرأ بالياء أراد القرآن ويجوز أن يريد لينذر الله.
اللغة: الطمس محو الشيء حتى يذهب أثره فالطمس على العين كالطمس على الكتاب ومثله الطمس على المال وهو إذهابه حتى لا يقع عليه إدراك وأعمى مطموس وطميس وهو أن يذهب الشق الذي بين الجفنين والمسخ قلب الصورة إلى خلقة مشوهة كما مسخ قوم قردة وخنازير.
الإعراب: أنّى في محل النصب على الحال من يبصرون أو على أنه في معنى مصدره.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن قدرته على إهلاك هؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانيته فقال { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم } أي لأعميناهم عن الهدى عن ابن عباس. قيل: معناه لتركناهم عمياً يتردَّدون عن الحسن وقتادة والجبائي { فاستبقوا الصراط } أي فطلبوا طريق الحق وقد عموا عنه { فأنى يبصرون } أي فكيف يبصرون عن ابن عباس. وقيل: معناه فطلبوا النجاة والسبق إليها ولا بصر لهم فكيف يبصرون وقد أعميناهم. وقيل: طلبوا الطريق إلى منازلهم فلم يهتدوا إليها.
{ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم } أي على مكانهم الذي هم فيه قعود والمعنى ولو نشاء لعذَّبناهم بنوع آخر من العذاب فأقعدناهم في منازلهم ممسوخين قردة وخنازير والمكانة والمكان واحد. وقيل: معناه ولو شئنا لمسخناهم حجارة في منازلهم ليس فيهم أرواحهم { فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون } أي فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء لو فعلنا ذلك بهم. وقيل: معناه فما استطاعوا مضياً من العذاب ولا رجوعاً إلى الخلقة الأولى بعد المسخ وهذا كله تهديد هدَّدهم الله به.
ثم قال سبحانه { ومن نعمره ننكسه في الخلق } أي من نطول عمره نصيّره بعد القوة إلى الضعف وبعد زيادة الجسم إلى النقصان وبعد الجدة والطراوة إلى البلى والخلوقة فكأنه نكس خلقه. وقيل: ننكسه ونردّه إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في ضعف القوة وعزوب العلم عن قتادة { أفلا تعقلون } أي أفلا تتدبَّرون في أن الله تعالى يقدر على الإعادة كما قدر على ذلك وإنما قال على الخطاب لقوله { ألم أعهد إليكم } ومن قرأ بالياء فالمعنى أفليس لهم عقل فيعتبروا ويعلموا ذلك.
ثم أخبر سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم كيداً لقوله { إنك لمن المرسلين } فقال { وما علمناه الشعر } يعني قول الشعراء وصناعة الشعر أي ما أعطيناه العلم بالشعر وإنشائه { وما ينبغي له } أن يقول الشعر من عند نفسه. وقيل: معناه ما يتسهل له الشعر وما كان يتزين له بيت شعر حتى إنه إذا تمثل بيت شعر جرى على لسانه منكسراً كما روي عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:

كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا

فقال أبو بكر يا رسول الله إنما قال الشاعر:

كفى الشّيْبُ والإِسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيا

أشهد أنك رسول الله وما علمك الشعر وما ينبغي لك وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل ببيت أخي بني قيس:

سَتُبْدِي لَكَ الأَيّامُ ما كُنْتَ جاهِلاً ويَأْتِيـكَ بالأَخْبارِ مَــنْ لَمْ تُزَوَّدِ

فجعل يقول: يأتيك من لم تزود بالأخبار فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فيقول: إني لست بشاعر وما ينبغي لي فأما قوله صلى الله عليه وسلم:

أنا النبيّ لا كذبْ أنَا ابْنُ عَبْدُ المُطَّلِبْ

فقد قال قوم: إن هذا ليس بشعر. وقال آخرون: إنما هو اتفاق منه وليس بقصد إلى قول الشعر. وقيل: إن معنى الآية وما علَّمناه الشعر بتعليم القرآن وما ينبغى للقرآن أن يكون شعراً فإن نظمه ليس بنظم الشعر وقد صحَّ أنه كان يسمع الشعر ويحثُّ عليه. وقال لحسان بن ثابت: "لا تزال يا حسان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك" .
{ إن هو } أي من الذي أنزلناه عليه { إلا ذكر وقرآن مبين } من عند رب العالمين ليس بشعر ولا رجز ولا خطبة والمراد بالذكر أنه يتضمن ذكر الحلال والحرام والدلالات وأخبار الأمم الماضية وغيرها وبالقرآن أنه مجموع بعضه إلى بعض فجمع سبحانه بينهما لاختلاف فائدتهما { لتنذر من كان حياً } أي أنزلناه لتخوف به من معاصي الله من كان مؤمناً لأن الكافر كالميت بل أقلُّ من الميت لأن الميت وإن كان لا ينفع ولا يتضرر والكافر لا ينتفع بدينه ويتضرَّر به ويجوز أن يكون المراد بمن كان حيّاً عاقلاً وروي ذلك عن علي (ع). وقيل: من كان حيّ القلب حيّ البصر عن قتادة { ويحقَّ القول على الكافرين } أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.