التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٢٣
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ
١٢٤
أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ
١٢٥
ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
١٢٦
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
١٢٧
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٢٨
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
١٢٩
سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ
١٣٠
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣١
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣٢
-الصافات

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل العراق غير أبي عمرو وأبي بكر { الله رَبَّكم وربَّ آبائكم الأولين } بالنصب والباقون برفع الجميع وقرأ ابن عامر ونافع ورويس عن يعقوب آل يس بفتح الألف وكسر اللام المقطوعة من ياسين والباقون الياسين بكسر الألف وسكون اللام موصولة بياسين وفي الشواذ قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش والحكم بن عيينة وإنَّ إدريس سلام على إدْراسين، وقراءة ابن محيصن وأبي رجاء وأن الياس وسلام على الياسين بغير همز.
الحجة: من قرأ { اللهُ ربُكم } فهو على الاستئناف ومن نصب فعلى البدل من أَحسن الخالقين وقال أبو علي من قرأ آل يس فحجّته أنها في المصحف مفصولة من يس وفي فصلها دلالة على أن آل هو الذي تصغيره أهيل وقال الزجاج من قرأ الياسين فإنه جمع الياس جمع هو وأمته المؤمنون وكذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء تقول رأيت المسامعة والمهالبة تريد بني المسمع وبني المهلب وكذلك رأيت المهلبين والمسمعين وفيها وجه آخر وهو أن يكون لغتان الياس والياسين. وكما قيل: ميكال وميكائيل وقال أبو علي هذا لا يصح لأن ميكال وميكائيل لغتان في اسم واحد وليس أحدهما مفرداً والآخر جمعاً كالياس والياسين وإدريس وإدراسين ومثله:

قَدْنـيَ مِـنْ نَصْــرِ الخُبَيْبِيــنَ قَــدِي

أراد عبد الله ومن كان على رأيه فكذلك الياسين وإدراسين من كان من شيعته وأهل دينه على إرادة ياء النسب التقدير الياسيين وإدراسيين فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم التي يراد بها الصفة كالأعجمين والأشعرين.
الإعراب: { سلام } في هذه الآي كلها مبتدأ والخبر بعده الجار والمجرور والجملة في موضع المفعول لقوله { تركنا } ولو أعمل تركنا فيه لقال سلاماً ويجوز أن يكون التقدير { وتركنا عليه في الآخرين } الثناء الحسن فحذف مفعول تركنا ابتدأ فقال { سلام }.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه قصة الياس فقال { وإن إلياس لمن المرسلين } واختلف فيه فقيل هو إدريس عن ابن مسعود وقتادة. وقيل: هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع عن ابن عباس ومحمد بن إسحاق وغيرهما. قالوا: إنه بعث بعد حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل وكان يوشع لما فتح الشام بوّأها بني إسرائيل وقسِّمها بينهم فأحلَّ سبطاً منهم ببعلبك وهم سبط إلياس بعث فيهم نبياً إليهم فأجابه الملك ثم إن امرأته حملته على أن ارتدَّ وخالف إلياس وطلبه ليقتله فهرب إلى الجبال والبراري. وقيل: إنه استخلف اليسع على بني إسرائيل ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً وسلَّط الله على الملك وقومه عدوّاً لهم فقتل الملك وامرأته وبعث الله اليسع رسولاً فآمنت به بنو إسرائيل وعظَّموه وانتهوا إلى أمره عن ابن عباس. وقيل: إن إلياس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات وذكر وهب أنه ذو الكفل.
{ إذ قال لقومه ألا تتقون } عذاب الله ونقمته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { أتدعون بعلاً } يعني صنماً لهم من ذهب كانوا يعبدونه عن عطاء والبعل بلغة أهل اليمن هو الرب والسيدي عن عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي فالتقدير أتدعون رباً غير الله تعالى { وتذرون أحسن الخالقين } أي تتركون عبادة أحسن الخالقين.
{ الله ربكم } أي خالقكم ورازقكم فهو الذي تحق له العبادة { ورب آبائكم الأولين } وخالق من مضى من آبائكم وأجدادكم { فكذبوه } فيما دعاهم إليه ولم يصدِّقوه { فإنهم لمحضرون } للحساب أو في العذاب والنار.
{ إلا عباد الله المخلصين } استثنى من جملتهم الذي أخلصوا عبادتهم لله من قومه { وتركنا عليه في الآخرين } فيه القولان اللذان ذكرناهما { سلام على إلياسين } قال ابن عباس آل يُّس محمد صلى الله عليه وسلم وياسين من أسمائه ومن قرأ الياسين أراد الياس ومن اتبعه. وقيل: يس اسم السورة فكأنه قال: سلام على من آمن بكتاب الله تعالى والقرآن الذي هو يس { إنا كذلك نجزي المحسنين } بإحسانهم { إنه من عبادنا المؤمنين } المصدقين العاملين بما أوجبناه عليهم.