التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٣
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
١٣٤
إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ
١٣٥
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ
١٣٦
وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ
١٣٧
وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٣٨
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٩
إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
١٤٠
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ
١٤١
فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
١٤٢
فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ
١٤٣
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٤٤
فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ
١٤٥
وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ
١٤٦
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ
١٤٧
فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ
١٤٨
-الصافات

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ جعفر بن محمد الصادق (ع) ويزيدون بالواو والوجه فيه ظاهر.
اللغة: الغابر الباقي قليلاً بعد ما مضى ومنه الغبار لأنه يبقى بعد ذهاب التراب قليلاً والتدمير الإهلاك على وجه التنكيل والآبق الفار إلى حيث لا يهتدي إليه طالبه وقد أبق يابق إباقاً والمشحون المملوء والمساهمة المقارعة مأخوذ من إلقاء السهام ودحضت حجته أي سقطت وأدحضها الله مأخوذ من الدحض وهو الزلق لأنه يسقط المار فيه قال الشاعر:

وحَاد كَما حادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ

والالتقام ابتلاع اللقمة يقال: لقمه والتقمه وتلقمه بمعنى وألام الرجل فهو مليم أتى بما يلام عليه قال لبيد:

سَفَهاً عَذَلْتَ وَلُمْتَ غَيْرَ مُلِيمٍ وَهَـــداكَ قَبْلَ الْيَوْمِ غَيْرُ حَكِيمِ

والعراء الفضاء الذي لا يواريه شجر ولا غيره. وقيل: العراء وجه الأرض الخالي قال:

وَرَفَعْتُ رِجْلاً لا أَخافُ عِثارَها وَنَبَــــذْتُ بِالْبَلَـــدِ الْعَـــراءِ ثِيابِي

واليقطين كل شجرة تبقى من الشتاء إلى الصيف ليس لها ساق قال أمية بن أبي الصلت:

فَأَنْبَــتَ يَقْطِيـناً عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لَوْلا اللهُ أُلْقِيَ ضاحِيا

وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به إقامة زائل لا إقامة راسخ والقطاني من الحبوب التي تقيم في البيت مثل الحمص والعدس والخل وأحدها قطنيَّة وقطينة.
الإعراب: { مصبحين } حال من قوله { تمرّون } بالليل الجار والمجرور أيضاً في موضع نصب عطفاً عليه تقديره لتمرون عليه مصبحين وممسين.
المعنى: ثم عطف سبحأنه على ما تقدَّم خبر لوط فقال { وإن لوطاً لمن المرسلين } أي رسولاً من جملة من أرسله الله إلى خلقه داعياً لهم إلى طاعته ومنبّهاً لهم على وحدانيته { إذ نجيناه وأهله أجمعين } إذ يتعلق بمحذوف وكأنه قيل أذكر يا محمد إذ نجيناه أي خلَّصناه ومن آمن به من قومه من عذاب الاستئصال.
{ إلا عجوزاً في الغابرين } أي في الباقين الذين أهلكوا استثنى من جملة قومه امرأته فقال { ثم دمرنا الأخرين } أي أهلكناهم { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل } هذا خطاب لمشركي العرب أي تمروّن في ذهابكم ومجيئكم إلى الشام على منازلهم وقراهم بالنهار وبالليل { أفلا تعقلون } فتعتبرون بهم ومن كثر مروره بموضع العبر كان ألوم ممن قلَّ ذلك عنه والمعنى أفلا تتفكرون فيما نزل بهم لتجتنبوا ما كانوا يفعلونه من الكفر والضلال والوجه في ذكر قصص الأنبياء وتكريرها التشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الخلال وصرف الخلق عما كان عليه الكفار من مساوىء الخصال ومقابح الأفعال.
{ وإن يونس لمن المرسلين إذ أَبق إلى الفلك المشحون } أي فرّ من قومه إلى السفينة المملوءة من الناس والأحمال خوفاً من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم فيهم { فساهم } يُونس القوم بأن ألقوا السهام على سبيل القرعة أي قارعهم { فكان من المدحضين } أي من المقروعين عن الحسن وابن عباس. وقيل: من المسهومين عن مجاهد والمراد من الملقين في البحر واختلف في سبب ذلك فقيل: إنهم أشرفوا على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحداً منهم في البحر لم يغرق الباقون. وقيل: إن السفينة احتبست فقال الملاحون إن ها هنا عبداً آبقاً فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فلذلك اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر. وقيل: إنه لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر { فالتقمه الحوت } أي ابتلعه. وقيل: إن الله سبحانه أوحى إلى الحوت أني لم أجعل عبدي رزقاً لك ولكني جعلت بطنك مسجداً له فلا تكسرنَّ له عظماً ولا تخدشنَّ له جلداً { وهو مليم } أي مستحق للوم لوم العتاب لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه وعندنا أن ذلك إنما وقع منه تركاً للمندوب وقد يلام الإنسان على ترك المندوب ومن جوز الصغيرة على الأنبياء قال: قد وقع ذلك صغيرة مكفرة واختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل كانت ثلاثة أيام عن مقاتل بن حيان. وقيل: سبعة أيام عن عطاء. وقيل: عشرين يوماً عن الضحاك. وقيل: أربعين يوماً عن السدي ومقاتل بن سليمان والكلبي { فلولا أنه كأن من المسبحين } أي كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء عن قتادة. وقيل: كان تسبيحه أنه كان يقول
{ { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [الأنبياء: 87] عن سعيد بن جبير. وقيل: من المسبحين أي من المنزهين لله عما لا يليق به ولا يجوز في صفته الذاكرين له { للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } أي لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة { فنبذناه بالعراء } أي فطرحناه بالمكان الخالي الذي لا نبت فيه ولا شجر. وقيل: بالساحل ألهم الله سبحانه الحوت حتى قذفه ورماه من جوفه على وجه الأرض { وهو سقيم } أي مريض حين ألقاه الحوت { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } وهو القرع عن ابن مسعود. وقيل: هو كل نبت يبسط على وجه الأرض ولا ساق له عن ابن عباس والحسن وروي عن ابن مسعود قال خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه ريش فاستظل بالشجر من الشمس.
{ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } قيل إن لله سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل في قتادة وكانت رسالته هذه بعد ما نبذه الحوت عن ابن عباس فعلى هذا يجوز أن يكون أرسل إلى قوم بعد قوم ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين بشريعة فآمنوا بها. وقيل: في معنى "أو" من قوله { أو يزيدون } وجوه:
أحدها: أنه على طريق الإِبهام على المخاطبين كأنه قال: أرسلناه إلى إحدى العدتين.
وثانيها: أن أو تخيير كأن الرائي خُيِّر بين أن يقول هم مائة ألف أو يزيدون عن سيبويه والمعنى أنهم كانوا عدداً لو نظر إليهم الناظر لقال: هم مائة ألف أو يزيدون.
وثالثها: أن أو بمعنى الواو كأنه قال ويزيدون عن بعض الكوفيين وقال بعضهم: معناه بل يزيدون وهذان القولان الأخيران غير مرضيين عند المحققين وأجود الأقوال الثاني واختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي فقيل عشرون ألفاً عن ابن عباس ومقاتل. وقيل: بضع وثلاثون ألفاً عن الحسن والربيع. وقيل: سبعون ألفاً عن مقاتل بن حيأن { فآمنوا فمتعناهم إلى حين } حكى سبحأنه عنهم أنهم آمنوا بالله وراجعوا التوبة فكشف عنهم العذاب ومتَّعهم بالمنافع واللذات إلى انقضاء آجالهم.