التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ
١٧١
إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ
١٧٢
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ
١٧٣
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ
١٧٤
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
١٧٥
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ
١٧٦
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ
١٧٧
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ
١٧٨
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
١٧٩
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
١٨٠
وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٨١
وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٨٢
-الصافات

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: ثم أقسم سبحانه فقال { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } أي سبق الوعد منا لعبادنا الذين بعثناهم إلى الخلق { إنهم لهم المنصورون } في الدنيا والآخرة على الأعداء بالقهر والغلبة وبالحجج الظاهرة. وقيل: معناه سبقت كلمتنا لهم بالسعادة ثم ابتدأ فقال إنهم أي إن المرسلين لهم المنصورون واللام للتأكيد وهم فصل. وقيل: عنى بالكلمة قوله { { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة: 21] الآية وسمّيت جملة من الكلام بأنها كلمة لانعقاد بعض معانيه ببعض حتى صار خبراً واحداً وقصة واحدة كالشيء الواحد قال الحسن المراد بالآية نصرتهم في الحرب فإنه لم يقتل نبيّ من الأنبياء قطّ في الحرب وإنما قتل من قتل منهم غيلة أو على وجه آخر في غير الحرب وإن مات نبيّ قبل النصرة أو قتل فقد أجرى الله تعالى العادة بأن ينصر قومه من بعده فيكون في نصرة قومه نصرة له فقد تحقق قوله { إنهم لهم المنصورون } وقال السدي: المراد بالآية النصر بالحجة.
{ وإن جندنا لهم الغالبون } أضاف المؤمنين إلى نفسه ووصفهم بأنهم جنده تشريفاً وتنويهاً بذكرهم حيث قاموا بنصرة دينه. وقيل: معناه أن رسلنا هم المنصورون لأنهم جندنا وأن جندنا هم الغالبون يقهرون الكفار بالحجة تارة وبالفعل أخرى.
ثم قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم { فتول عنهم } أي أعرض عن هؤلاء الكفار { حتى حين } أي إلى وقت نأمرك فيه بقتالهم. يعني يوم بدر عن مجاهد والسدي. وقيل: إلى يوم الموت عن ابن عباس وقتادة. وقيل: إلى يوم القيامة. وقيل: إلى انقضاء مدة الإمهال.
{ وأبصرهم فسوف يبصرون } أي أنظرهم وأبصر ما ضيَّعوا من أمر الله فسوف يرون العذاب عن ابن زيد. وقيل: وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون. وقيل: وأبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة معاينة وفي هذا إخبار بالغيب لأنه وعد نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالنصر والظفر فوافق المخبر الخبر وكأنهم قالوا متى هذا العذاب فأنزل الله { أَفبعذابنا يستعجلون } أي يطلبون تعجيل عذابنا.
{ فإذا نزل بساحتهم } أي إذا نزل العذاب بافنية دورهم كما يستعجلون { فساء صباح المنذرين } أي فبئس الصباح صباح من خوف وحذر فلم يحذر ولم يخف والساحة فناء الدار وفضاؤها الواسع فالمراد أن العذاب لعظمه لا يسعه إلا الساحة ذات الفضاء الواسع. وقيل: نزل بساحتهم أي بدارهم عن السدي وكانت العرب تفاجىء أعداءها بالغارات صباحاً فخرج الكلام على عادتهم ولأن الله سبحانه أجرى العادة بتعذيب الأمم وقت الصباح. كما قال
{ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب } [هود: 81].
{ وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يعصرون } مضى تفسيره وإنما كررَّ ما سبق للتأكيد. وقيل: لأن المراد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخر عذاب الآخرة أي فكن على بصيرة من أمرك فسوف يكونون على بصيرة من أمرهم حين لا ينفعهم ثم نزَّه سبحانه نفسه عن وصفهم وبهتهم فقال { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } أي تنزيهاً لربك مالك العزة يعزّ من يشاء من الأنبياء والأولياء لا يملك أحد إعزاز أحد سواه فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات وهو قولهم باتخاذ الأولاد واتخاذ الشريك { وسلام على المرسلين } أي سلامة وأن لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم. وقيل: هو خبر معناه أمر أي سلّموا عليهم كلهم لا تفرّقوا بينهم { والحمد لله رب العالمين } أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم والمنعم عليهم وأخلصوا له الثناء والحمد ولا تشركوا به أحداً فإن النعم كلها منه وروى الأصبغ بن نباتة عن علي (ع) وقد روي أيضاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال
" من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين" .