التفاسير

< >
عرض

لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ
٦١
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ
٦٢
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ
٦٣
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ
٦٤
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ
٦٥
فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ
٦٦
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ
٦٧
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ
٦٨
إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ
٦٩
فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ
٧٠
-الصافات

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النزل الريع والفضل يقال لهذا الطعام نُزْل ونُزُل. وقيل: هي الإنزال التي يتقوت بها فتقيم الأبدان وتبقي عليها الأرواح ويقال أقمت للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزلوا عليه من الغذاء وزعم قطرب أن الزقوم شجرة مرة تكون بتهامة. قال أبو مسلم: وظاهر التلاوة يدل على أن العرب كانت لا تعرفها فلذلك فسَّر بعد ذلك. والطلع حمل النخلة سمّي بذلك لطلوعه والشوب خلط الشيء بما ليس منه وهو شرٌّ منه والحميم الحار الذي يدني من الإحراق المهلك قال:

أحـــمَّ اللهُ ذلِـــــكَ مِــنْ لِقـاءٍ أُحادَ أُحادَ في الشَّهْرِ الحَلالِ

أي أدناه وحمم ريش الفرخ حين يدنو من الطيران والحميم الصديق القريب أي الداني من القلب وهرع الرجل وأهرع إذا استحثَّ فأسرع. قال الأزهري: الإهراع الإسراع والمهرع الحريص.
المعنى: ثم قال سبحانه في تمام الحكاية عن قول أهل الجنة { لمثل هذا فليعمل العاملون } أي لمثل هذا الثواب والفوز والفلاح فليعمل العاملون في دار التكليف. وقيل: إنَّ هذا من قول الله تعالى أي لمثل هذا النعيم الذي ذكرناه وهو من قوله
{ { لهم رزق معلوم } [الصافات: 41] إلى قوله { { بيض مكنون } [الصافات: 49] { فليعمل العاملون } هذا ترغيب في طلب الثواب بالطاعة أي من كان يريد أن يعمل لنفع يرجوه فليعمل لمثل هذا النفع العظيم.
{ أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } أي أذلك الذي ذكرناه من قرى أهل الجنة وما أعدَّ لهم خير في باب الإنزال التي يتقوت بها ويمكن معها الإقامة أم نزل أهل النار فيها عن الزجاج. وقيل: معناه أسبب هذا المؤدّي إليه خير أم سبب ذلك لأن الزقوم لا خير فيه. وقيل: إنما جاز ذلك لأنهم لما عملوا بما أدّى إليه فكأنهم قالوا فيه خير. وقيل: إنما قال خير على وجه المقابلة فهم مثل قوله
{ { أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } [الفرقان: 24] وهذا كما يقول الرجل لعبده إن فعلت كذا أكرمتك وإن فعلت كذا ضربتك أهذا خير أم ذلك وإن لم يكن في الضرب خيراً والزقوم ثمر شجرة متكره جداً من قولهم تزقم هذا الطعام إذا تناوله على تكرّه ومشقة شديدة. وقيل: الزقوم شجرة في النار يقتاتها أهل النار لها ثمرة مرة خشنة اللمس منتنة الرائحة. وقيل: إنها معروفة من شجر الدنيا تعرفها العرب. وقيل: إنها لا تعرفه. فقد روي أن قريشاً سمعت هذه الآية قالت: ما نعرف هذه الشجرة فقال ابن الزبعرى الزقوم بكلام البربر التمر والزبد وفي رواية بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد. فقال لأصحابه: تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد فيزعم أن النار تنبت الشجرة والنار تحرق الشجرة فأنزل الله سبحانه { إنا جعلناها فتنة للظالمين } أي خبرة لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها فصارت فتنة لهم عن قتادة والزجاج. وقيل: إن المراد بالفتنة العذاب أي جعلناها شدة عذاب لهم من قوله { { يوم هم على النار يفتنون } [الذاريات: 13] أي يعذبون عن الجبائي وأبي مسلم { إنها شجرة تخرج من أصل الجحيم } أي إن الزقوم شجرة تنبت في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها عن الحسن ولا يبعد أن يخلق الله سبحانه بكمال قدرته شجرة في النار من جنس النار أو من جوهر لا تأكله النار ولا تحرقه كما أنها لا تحرق السلاسل والأغلال فيها وكما لا تحرق حيّاتها وعقاربها وكذلك الضريع وما أشبه ذلك { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } يسأل عن هذا فيقال كيف شبه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين وهي لا تعرف وإنما يشبه الشيء بما يعرف وأجيب عنه بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن رؤوس الشياطين ثمرة يقال لها الأستن وإياه عنى النابغة بقوله:

تَحِيــدُ عَـــنْ أسْتَـنٍ سُودٍ أسافِلُـهُ مِثْلُ الإماء اللَّواتي تَحْمِلُ الحُزَما

وهذه الشجرة تشبه بني آدم قال الأصمعي ويقال له الصوم وأنشد:

مُــوَكَّلٌ بِشُدُوفِ الصَّوْمِ يَرْقُبُهُ مِنَ المَعارِمِ مَهْضُومُ الحَشا زَرِمُ

يصف وعلاً يظنّ هذا الشجر قناصين فهو يرقبه والشُدوف الشُخُوص واحدها شدْف وثانيها: أن الشيطان جنس من الحيات فشبَّه سبحانه طلع تلك الشجرة برؤوس تلك الحيات أنشد الفراء:

عَنْـجَرِدٌ تَحْلِفُ حِيــنَ أحْلِفُ كَمِثْلِ شَيْطانِ الحِمَاطِ أعْرَفُ

أي له عرف وأنشد المبرد:

وَفِــي البَقْلِ إنْ لَـمْ يَدْفَـع اللهُ شَرَّهُ شَياطِينُ يَعْدُو بَعْضُهُنَّ عَلى بَعْضِ

وثالثها: أن قبح صور الشياطين متصوّر في النفوس ولذلك يقولون لما يستقبحونه جدّاً كأنه شيطان فشبَّه سبحانه طلع هذه الشجرة بما استقرَّت بشاعته في قلوب الناس قال الراجز:

أَبْصرْتُهــا تَلْتَهِمُ الثُّعْبانا شَيْطانَةً تَزَوَّجَتْ شَيْطانا

وقال أبو النجم:

الرَّأْسُ قُمْــلٌ كُلُّــهُ وَصِئْبـانْ وَلَيْسَ فِي الرِّجْلَيْنِ إلاّ خَـيْطان
وهيَ الّتي يفزعَ مِنْهَا الشّيْطانْ

وقال امرؤ القيس:

أَتَقْتُلُنــي وَالمُشَرّفِيُّ مَضاجِعِي وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيابِ أَغْوالِ

فشبَّه أسنَّته بأنياب الأغوال ولم يقل أحد أنه رأى الغول وهذا قول ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وقال الجبائي: إن الله تعالى يشوّه خلق الشياطين في النار حتى أنه لو رآهم راءٍ من العباد لاستوحش منهم فلذلك شبَّه برؤوسهم { فإنهم لآكلون منها } يعني أن أهل النار ليأكلون من ثمرة تلك الشجرة { فمالئون منها البطون } أي يملؤون بطونهم منها لشدة ما يلحقهم من ألم الجوع.
وقد روي أن الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته من الحرارة فإذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم فذلك قوله { يشوي الوجوه } فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم كما قال سبحانه { يصهر ما في بطونهم والجلود } فذلك شرابهم وطعامهم فذلك قوله { ثم إن لهم عليها } زيادة على شجرة الزقوم { لشوباً من حميم } أي خليطاً ومزاجاً من ماء حار يمزج ذلك الطعام بهذا الشراب. وقيل: إنهم يكرهون على ذلك عقوبة لهم.
{ ثم إن مرجعهم } بعد أكل الزقوم وشراب الحميم { لإلى الجحيم } وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج عن الجحيم. كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردّون إلى الجحيم ويدل على ذلك قوله
{ { يطوفون بينها وبين حميم آن } [الرحمن: 44] والجحيم النار الموقدة والمعنى أن الزقوم والحميم طعامهم وشرابهم والجحيم المسعرة منقلبهم ومأواهم.
{ إنهم ألفوا آباءهم ضالين } أي أن هؤلاء الكفار صادفوا آباءهم ذاهبين عن الحق والدين { فهم على آثارهم يهرعون } في الضلال أي يقلّدونهم ويتبعونهم اتباعاً في سرعة. وقيل: معناه يسرعون عن ابن عباس والحسن. وقيل: يعملون بمثل أعمالهم عن الكلبي. وقيل: يستحثُون عن أبي عبيدة.