التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ
١٦
ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
١٧
إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ
١٨
وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ
١٩
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ
٢٠

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: القطّ الكتاب قال الأعشى:

وَلاَ الْمَــلِكُ الْنُعْمـانَ يَوْمَ لقِيتُهُ بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ

أي كتب الجوائز واشتقاقها من القط وهو القطع لأنها تقطع النصيب لكل واحد بما كتب فيها والقط النصيب أيضاً قال أبو عبيدة والقط الحساب وفي الأثر أن عمر وزيداً كانا لا يريان ببيع القطوط بأساً إذا خرجت والفقهاء لا يجيزونه وهي الجوائز والأرزاق وقولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر الذي مضى.
المعنى: { وقالوا } يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم { ربنا عجل لنا قطنا } أي قدّم لنا نصيبنا من العذاب { قبل يوم الحساب } قالوه على وجه الاستهزاء بخبر الله عز وجل عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقيل: معناه أرنا حظّنا من النعيم في الجنة حتى نؤمن عن السدي وسعيد بن جبير. وقيل: لما نزل وأما من أوتي كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله قالت قريش: زعمت يا محمد أنى نؤتى كتابنا بشمالنا فعجّل لنا كتبنا التي نقرؤها في الآخرة استهزاءً منهم بهذا الوعيد وتكذيباً به عن أبي العالية والكلبي ومقاتل فقال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم { اصبر } يا محمد أي احبس نفسك { على ما يقولون } من تكذيبك فإن وبال ذلك يعود عليهم.
{ واذكر عبدنا داود ذا الأَيد } أي ذا القوة على العبادة عن ابن عباس ومجاهد وذكر أنه يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وذلك أشدّ الصوم. وقيل: ذا القوة على الأعداء وقهرهم وذلك لأنه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من ظهره فأصاب آخر فقتله. وقيل: معناه ذا التمكين العظيم والنعم العظيمة وذلك أنه كان يبيت كل ليلة حول محرابه ألوف كثيرة من الرجال { إنه أواب } أي ثوّاب راجع عن كل ما يكره الله تعالى إلى كل ما يحب من آب يؤب إذا رجع عن مجاهد وابن زيد. وقيل: مسبّح عن سعيد بن جبير. وقيل: مطيع عن ابن عباس.
{ إنا سخرنا الجبال معه يسبّحن } لله إذا سبَّح ويحتمل أن يكون الله سبحانه خلق في الجبال التسبيح ويمكن أن يكون بنى فيها بنية يأتي فيها التسبيح { بالعشي والإشراق } أي بالرواح والصباح { والطير } أي وسخَّرنا الطير { محشورة } أي مجموعة إليه تسبّح الله تعالى معه { كل } يعني كل الطير والجبال { له أواب } رجَّاع إلى ما يريد مطيع له بالتسبيح معه قال الجبائي لا يمتنع أن يكون الله تعالى خلق في الطيور من المعارف ما تفهم به أمر داود (ع) ونهيه فتطيعه فيما يريد منها وإن لم تكن كاملة العقل مكلفة.
{ وشددنا ملكه } أي قوّينا ملكه بالحرس والجنود والهيبة وكثرة العدد والعدة { وآتيناه الحكمة } وهي النبوة. وقيل: الإصابة في الأمور. وقيل: العلم بالله وشرائعه عن أبي العالية والجبائي { وفصل الخطاب } يعني الشهود والإيمان وأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر لأن خطاب الخصوم لا ينفصل ولا ينقطع إلا بهذا وهو قول الأكثرين. وقيل: فصل الخطاب هو العلم بالقضاء والفهم عن ابن مسعود والحسن ومقاتل وقتادة. وقال البلخي: يجوز أن يكون المراد بتسبيح الجبال معه ما أعطاه الله تعالى من حسن الصوت بقراءة الزبور فكان إذا قرأ الزبور أو رفع صوته بالتسبيح بين الجبال ردّت عليه مثله من الصدى فسمى الله ذلك تسبيحاً.