التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٤٦
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ
٤٧
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٤٨
فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٩
قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٥٠
-الزمر

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: لمّا قدّم سبحانه ذكر الأدلة فلم ينظروا فيها والمواعظ فلم يتعظوا بها أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يحاكمهم إليه ليفعل بهم ما يستحقونه فقال { قل } يا محمد ادع بهذا الدعاء { اللهم فاطر السماوات والأرض } أي يا خالقهما ومنشئهما { عالم الغيب والشهادة } أي يا عالم ما غاب علمه عن جميع الخلق وعالم ما شهدوه وعلموه { أنت تحكم بين عبادك } يوم القيامة { فيما كانوا فيه يختلفون } في دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم وتفصل بينهم بالحق في الحقوق والمظالم أي فاحكم بيني وبين قومي بالحق وفي هذا بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا محالة وعن سعيد بن المسيب أنه قال: إني لأعرف موضع آية لم يقرأها أحد قط فسال الله شيئاً إلا أعطاه قوله { قل اللهم فاطر السماوات والأرض }.
ثم أخبر سبحانه عن وقوع العقاب بالكفار بأن قال { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه } زيادة عليه { لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة } وقد مضى تفسيره { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } أي ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه ولا يظنونه واصلاً إليهم ولم يكن في حسابهم. قال السدي: ظنّوا أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات. وقيل: إن محمد بن المنكدر جزع عند الموت فقيل له: أتجزع؟ قال: أخذتني آية من كتاب الله عز وجل وبدا لهم الآية أخذتني أن يبدو لي من الله ما لم احتسب.
{ وبدا لهم } أي وظهر لهم أيضاً { سيئات ما كسبوا } أي جزاء سيئات أعمالهم { وحاق بهم } أي نزل بهم { ما كانوا به يستهزءون } وهو كل ما ينذرهم النبي صلى الله عليه وسلم مما كانوا ينكرونه ويكذبون به.
ثم أخبر عن شدة تقلب الإنسان من حال إلى حال فقال { فإذا مس الإنسان ضر } من مرض أو شدة { دعانا } واستغاث بنا مسلماً مخلصاً في كشفه عالماً بأنه لا يقدر غيرنا عليه { ثم إذا خوّلناه نعمة منا } أي أعطيناه نعمة من الصحة في الجسم والسعة في الرزق أو غير ذلك من النعم { قال إنما أوتيته على علم }. قيل: فيه وجوه:
أحدها: قال إنما أوتيته بعلمي وجلدي وحيلتي عن الحسن والجبائي فيكون هذا إشارة إلى جهلهم بمواضع المنافع والمضار.
وثانيها: على علم على خبر علمه الله عندي عن قتادة ومقاتل.
وثالثها: على علم يرضاه عني فلذلك أتاني ما أتاني من النعم.
ثم قال ليس الأمر على ما يقولونه { بل هي فتنة } أي بلية واختبار يبتليه الله بها فيظهر كيف شكره أو صبره في مقابلتها فيجازيه بحسبها. وقيل: معناه هذه النعمة فتنة أي عذاب لهم إذا أضافوها إلى أنفسهم. وقيل: معناه هذه المقالة التي قالوها فتنة لهم لأنهم يعاقبون عليها { ولكن أكثرهم لا يعلمون } البلوى من النعمى. وقيل: لا يعلمون أن النعم كلها من الله وإن حصلت بأسباب من جهة العبد { قد قالها } أي قد قال مثل هذه الكلمة وهذه المقالة { الذين من قبلهم } مثل قارون حيث قال إنما أوتيته على علم عندي { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } أي فلم ينفعهم ما كانوا يجمعونه من الأموال بل صارت وبالاً عليهم.