التفاسير

< >
عرض

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥١
أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥٢
قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
٥٤
وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٥٥
-الزمر

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال { فأصابهم سيئات ما كسبوا } أي أصابهم عقاب سيئاتهم فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. وقيل: إنما سمّي سيئاتهم سيئة لازدواج الكلام كقوله { { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40] { والذين ظلموا من هؤلاء } أي من كفار قومك يا محمد { سيصيبهم سيئات ما كسبوا } أيضاً { وما هم بمعجزين } أي لا يفوتون الله تعالى. وقيل: لا يعجزون الله بالخروج من قدرته { أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يوسّع الرزق على من يشاء ويضيق على من يشاء بحسب ما يعلم من المصلحة { إن في ذلك لآيات } دلالات واضحات { لقوم يؤمنون } يصدقون بتوحيد الله تعالى لأنهم المنتفعون بها.
{ قل } يا محمد { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } بارتكاب الذنوب { لا تقنطوا من رحمة الله } أي لا تيأسوا من مغفرة الله { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية" وعن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: ما في القرآن آية أوسع من { يا عبادي الذين أسرفوا } الآية وفي مصحف عبد الله أن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء. وقيل: إن الآية "نزلت في وحشي قاتل حمزة حين أراد أن يسلم وخاف أن لا تقبل توبته فلما نزلت الآية أسلم فقيل: يا رسول الله هذه له خاصة أم للمسلمين عامة فقال صلى الله عليه وسلم: بل للمسلمين عامة" .
وهذا لا يصح لأن الآية نزلت بمكة ووحشي أسلم بعدها بسنين كثيرة ولكن يمكن أن يكون قرئت عليه الآية فكانت سبب إسلامه فالآية محمولة على عمومها فالله سبحانه يغفر جميع الذنوب للتائب لا محالة فإن مات الموحد من غير توبة فهو في مشيئة الله إن شاء عذَّبه بعدله وإن شاء غفر له بفضله كما قال { { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48].
ثم دعا سبحانه عباده إلى التوبة وأمرهم بالإنابة إليه فقال { وأنيبوا إلى ربكم } أي ارجعوا من الشرك والذنوب إلى الله فوحّدوه { وأسلموا له } أي انقادوا له بالطاعة فيما أمركم به. وقيل: معناه اجعلوا أنفسكم خالصة له قد حثَّ سبحانه بهذه الآية على التوبة كيلا يرتكب الإنسان المعصية ويدع التوبة اتّكالاً على الآية المتقدمة { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } عند نزول العذاب بكم.
{ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } أي من الحلال والحرام والأمر والنهي والوعد والوعيد فمن أتى بالمأمور به وترك المنهي عنه فقد اتبع الأحسن عن ابن عباس. وقيل: إنما قال أحسن ما أنزل لأنه أراد بذلك الواجبات والنوافل التي هي الطاعات دون المباحات. وقيل: أراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ عن الجبائي قال علي بن عيسى وهذا خطأ لأن المنسوخ يجوز أن يكون حسناً إلا أن العمل بالناسخ يكون أصلح وأحسن { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة } أي فجاة في وقت لا تتوقعونه { وأنتم لا تشعرون } أي لا تعرفون وقت نزوله بكم.