التفاسير

< >
عرض

أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ
٥٦
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ
٥٧
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٨
بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
٥٩
وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ
٦٠
-الزمر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو جعفر يا حسرتاي بياء مفتوحة بعد الألف والباقون يا حسرتا بغير ياء.
الحجة: قال ابن جني في قوله يا حسرتاي إشكال وذلك أن الألف في حسرتا إنما هي بدل من يا حسرتي أبدلت الياء ألفاً هرباً إلى خفة الألف من ثقل الياء. قال: والذي عندي فيه أنه جمع بين العوض والمعوض عنه كمذهب أبي إسحاق وأبي بكر في قول الفرزدق:

هُمـا نَفَثا فِي فيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمـا عَلَى النَّابِحِ الْعاوِي أَشَدَّ رِجامِ

فجمع بين الميم والواو وإنما الميم بدل من الواو ومثله ما أنشده أبو زيد:

إنّـــي إذا مــا حَــدَثٌ أَلَمّــا أقُـولُ يَــا اللَّهُـــمَ يَــا اللَّهُمـــا

فجمع بين ياء وميم وإنما الميم عوض من ياء.
اللغة: التفريط إهمال ما يجب أن يتقدَّم فيه حتى يفوت وقته ومثله التقصير وضدُّه الأخذ بالحزم يقال فلان حازم وفلان مفرط والتحسر الاغتمام مما فات وقته لانحساره عنه بما لا يمكنه لاستدراكه ومثله التأسف وأصل الباب الانقطاع. يقال: انحسرت الدابة أي انقطع سيرها كلالا والجنب العضو المعروف والجنب أيضاً معظم الشيء وأكثره يقال هذا قليل في جنب مودّتك ويقال ما فعلت في جنب حاجتي أي في أمره قال كثير:

أَلا تَتَّقِينَ اللهَ فِي جَنْبِ عاشِقٍ لَـهُ كَبِــدٌ حَرّى عَلَيْــكَ تَقَطَّعُ

الإعراب: بلى قد جاءتك جواب قوله أو تقول لو أنَّ الله هداني لكنت من المتقين لأن معناه ما هداني فقيل لها بلى قد جاءتك آياتي لأن بلى جواب النفي وليس في الظاهر نفي فيحمل على المعنى. وجوههم مسودة مبتدأ وخبر والجملة في موضع نصب على الحال واستغنى عن الواو لمكان الضمير ويجوز في غير القرآن وجوههم بالنصب على البدل. من الذين كذبوا أي ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة بالنصب ومثل النصب قول عدي بن زيد:

دَعِينِي إنَّ أَمْرَكَ لَنْ يُطاعا وَمـا أَلْفَيْتَنِـي حِلْمِي مُضاعا

المعنى: لمّا أمر الله سبحانه باتّباع الطاعات واجتناب المقبحات تحذيراً من نزول العقويات بيَّن الغرض في ذلك بقوله { أن تقول نفس } أي خوف أن تقول أو حذراً من أن تقول والمعنى كراهة أن تصيروا إلى حال تقولون فيها { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } أي يا ندامتي على ما ضيَّعت من ثواب الله عن ابن عباس. وقيل: قصرت في أمر الله عن مجاهد والسدي. وقيل: في طاعة الله عن الحسن. قال الفراء: الجنب القرب أي في قرب الله وجواره. يقال: فلان يعيش في جنب فلان أي في قربه وجواره ومنه قوله تعالى { { والصاحب بالجنب } [النساء: 36] فيكون المعنى على هذا القول على ما فرطت في طلب جنب الله أي في طلب جواره وقربه وهو الجنة. وقال الزجاج: أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله فيكون الجنب بمعنى الجانب أي قصرت في الجانب الذي يؤدّي إلى رضا الله وروى العياشي بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) أنه قال: نحن جنب الله.
{ وإن كنت لمن الساخرين } أي وإني كنت لمن المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن وبالمؤمنين في دار الدنيا عن قتادة والسدي. وقيل: من الساخرين ممن يدعوني إلى الإيمان { أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين } أي فعلنا ذلك كراهة أن تقول لو أراد الله هدايتي لكنت ممن يتّقي معاصيه خوفاً من عقابه. وقيل: إنهم لمّا لم ينظروا في الأدلة وأعرضوا عن القرآن واشتغلوا بالدنيا والأباطيل توهَّموا أن الله تعالى لم يهدهم فقالوا ذلك بالظن ولهذا ردَّ الله عليهم بقوله { بلى قد جاءتك آياتي } الآية. وقيل: معناه لو أنَّ الله هداني إلى النجاة بأن يردَّني إلى حال التكليف لكنت ممن يتّقي المعاصي عن الجبائي. قال: لأنهم يضطرون يوم القيامة إلى العلم بأن الله قد هداهم.
{ أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } أي لو أنَّ لي رجعة إلى الدنيا فأكون من الموحّدين المطيعين ثم قال سبحانه منكراً على هذا القائل { بلى } أي ليس كما قلت { قد جاءتك آياتي } أي حججي ودلالاتي { فكذبت بها } وأنفت من اتباعها وذلك قوله { واستكبرت وكنت من الكافرين } بها وإنما قال جاءتك وإن كانت النفس مؤنَّثة لأن المراد بالنفس هنا الإنسان وروي في الشواذ عن عاصم والجحدري ويحيى بن يعمر بكسر الكاف والتاء آت بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين.
{ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله } فزعموا أن له شريكاً وولداً { وجوههم مسودَّة أليس في جهنم مثوى للمتكبّرين } الذين تكبَّروا عن الإيمان بالله هذا استفهام تقرير أي فيها مثواهم ومقامهم. وروى العياشي بإسناده عن خيثمة قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: من حدث عنا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله وإن كذب علينا فإنما يكذب على الله وعلى رسوله لأنا إذا حدثنا لا نقول قال: فلان وقال: فلان إنما نقول: قال الله وقال رسوله ثم تلا هذه الآية { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله } الآية ثم أشار خيثمة إلى أذنيه فقال صمَّتا إن لم أكن سمعته وعن سودة بن كليب قال: سألت أبا جعفر (ع) عن هذه الآية فقال: كل إمام انتحل إمامة ليست له من الله. قلت: وإن كان علويّاً قال (ع): وإن كان علويّاً قلت: وإن كان فاطميّاً قال: وإن كان فاطميّاً.