التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً
١٣٦
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو أُنْزِلَ بالضم وكسر الزاي والباقون نَزَّلَ وأنْزَلَ بفتحهما.
الحجة: من قرأ بالضم فحجته قولـه سبحانه:
{ { لتبيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم } [النحل: 44] { { ويعلمون أنه مُنَزَّلٌ من ربك بالحق } [الأنعام: 114] ومن قرأ نَزَّل وأنْزَلَ فحجته { إنا نحن نَزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9] { وأنْزَلْنا إليك الذكر } [النحل: 44].
المعنى: { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } قيل فيه ثلاثة أقوال أحدها: وهو الصحيح المعتمد عليه أن معناه: { يا أيها الذين آمنوا } في الظاهر بالإقرار بالله ورسوله { آمنوا } في الباطن ليوافق باطنكم ظاهركم ويكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا يُظْهِرون خلاف ما يبطنون { والكتاب الذي نَزَّل على رسوله } وهو القرآن { والكتاب الذي أنزل من قبل } هو التوراة والإنجيل عن الزجاج وغيره وثانيها: أن يكون الخطاب للمؤمنين على الحقيقة ظاهراً وباطناً فيكون معناه اثبتوا على هذا الإيمان في المستقبل وداوموا عليه ولا تنتقلوا عنه عن الحسن واختاره الجبائي. قال: لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يبقى، وإنما يستمر بأن يجدّده الإنسان حالاً بعد حال وثالثها: أن الخطاب لأهل الكتاب أمروا بأن يؤمنوا بالنبي والكتاب الذي أنزل عليه كما آمنوا بما معهم من الكتب ويكون قولـه: { والكتاب الذي أنزل من قبل } إشارة إلى ما معهم من التوراة والإنجيل ويكون وجه أمرهم بالتصديق بهما وإن كانوا مصدقين بهما أحد أمرين إما أن يكون لأن التوراة والإنجيل فيهما صفات نبيّنا وتصديقه وتصحيح نبوته فمن لم يصدّقه ولم يصدّق القرآن لا يكون مصدِّقاً بهما لأن في تكذيبه تكذيب التوراة والإنجيل وإما أن يكون الله تعالى أمرهم بالإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالكتاب الذي أُنزل من قبله وهو الإنجيل وذلك لا يصحّ إلا بالإقرار بعيسى أيضاً وهو نبيّ مرسل.
ويعضد هذا الوجه ما روي عن عبد الله بن عباس أنه قال: إن الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وابن أخت عبد الله بن سلام ويامين بن يامين وهؤلاء من كبار أهل الكتاب قالوا نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب وبمن سواهم من الرسل فقيل لهم: بل آمنوا بالله ورسوله الآية فآمنوا كما أمرهم الله { ومن يكفر بالله } أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو يردّ أمره ونهيه { وملائكته } أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة لا يليق بهم كما قالوا إنهم بنات الله { وكتبه } فيجحدها { ورسله } فينكرهم { واليوم الآخر } أي يوم القيامة { فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً } أي ذهب عن الحق وبَعُدَ قصد السبيل ذهاباً بعيداً وقال الحسن الضلال البعيد هو ما ائتلاف له والمعنى أن من كفر بمحمد وجحد نبوته فكأنه جحد جميع ذلك لأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق بشيء مما أمر الله به إلا بالإيمان به وبما أنزل الله عليه وفي هذا تهديد لأهل الكتاب وإعلام لهم أن إقرارهم بالله ووحدانيته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لا ينفعهم مع جحدهم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ويكون وجوده وعدمه سواء.
النظم: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله سبحانه لمَّا بَيَّن الإسلام عَقَّبه بالدعاء إلى الإيمان وشرائطه وقيل إنها تتّصل بقولـه: { كونوا قوامين بالقسط } والقيام بالقسط هو الإيمان على الوجه المذكور.