التفاسير

< >
عرض

فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً
١٦٠
وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٦١
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقولـه: { فبظلم من الذين هادوا } أي من اليهود معناه فبما ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي التي تقدمَّ ذكرها وقد مضى فيما تقدم عن الزجاج أنه قال { فبظلم من الذين هادوا } بدل من قولـه { فبنقضهم ميثاقهم } وما بعده والعامل في الباء قولـه: { حرَّمنا عليهم طيّبات } ولكنَّه لما طال الكلام أجمل في قولـه فبظلم ما ذكره قبل وأخبر أنه حرَّم على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا الله عليه وكفروا بآياته وقتلوا أنبياءه وقالوا على مريم بهتاناً عظيماً وفعلوا ما وصفه الله طيبات من المآكل وغيرها { أحلت لهم } أي كانت حلالاً لهم قبل ذلك فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الأشياء عليهم عن مجاهد وأكثر المفسرين وقال أبو علي الجبائي: حرَّم الله سبحانه هذه الطيبات على الظالمين منهم عقوبة لهم على ظلمهم وهي ما بُيِّن في قولـه تعالى: { { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم } [الأنعام: 146].
{ وبصدِّهم عن سبيل الله كثيراً } أي وبمنعهم عباد الله عن دينه وسبيله التي شرعها لعباده صدّاً كثيراً وكان صدّهم عن سبيل الله تقوّلـهم على الله الباطل وادعائهم أن ذلك عن الله وتبديلهم كتاب الله وتحريفهم معانيه عن وجوهه وأعظم من ذلك كله جحدهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتركهم بيان ما علموه من أمره لمن جهله من الناس عن مجاهد وغيره { وأخذهم الربا } أي ما فضل على رؤوس أموالهم بتأخيرهم له عن محله إلى أجل آخر { وقد نهوا عنه } أي عن الربا { وأكلهم أموال الناس بالباطل } أي بغير استحقاق ولا استيجاب وهو ما كانوا يأخذونه من الرشى في الأحكام كقولـه:
{ { وأكلهم السحت } [المائدة: 62] وما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم ويقولون هذا من عند الله وما أشبه ذلك من المآكل الخبيثة عاقبهم الله تعالى على جميع ذلك بتحريم ما حرَّم عليهم من الطيبات.
{ وأعتدنا للكافرين منهم } أي هيّأنا يوم القيامة لمن جحد الله أو الرسل من هؤلاء اليهود { عذاباً أليماً } أي مؤلماً موجعاً واختلف في أن التحريم هل كان على وجه العقوبة أم لا فقال جماعة من المفسرين: إن ذلك كان عقوبة وإذا جاز التحريم ابتداء على جهة المصلحة جاز أيضاً عند ارتكاب المعصية على جهة العقوبة وقال أبو علي: كان تحريمه عقوبة فيمن تعاطى ذلك الظلم ومصلحة في غيرهم. وقال أبو هاشم إن التحريم لا يكون إلا للمصلحة، ولما صار التحريم مصلحة عند إقدامهم على هذا الظلم جاز أن يقال: حرَّم عليهم بظلمهم قال لأن التحريم تكليف يستحق الثواب بفعله ويجب الصبر على أدائه فهو معدود في النعم بخلاف العقوبات.