التفاسير

< >
عرض

وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً
٢
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الحوب الإثم يقال: حاب يحوب حوباً وحيابة، والإسم الحُوب وروي عن الحسن أنه قرأ حَوباً ذهب إلى المصدر وتَحوَّب فلان من كذا إذا تحرَّج منه ونزلنا بِحَوبة من الأرض أي بموضع سوء والحوبة الحزن، والتحوّب: التحزن. والحَوباء: الروح.
المعنى: لمّا أمر الله سبحانه بالتقوى وصلة الأرحام عَقَّبه بباب آخر من التقوى وهو توفير حقوق اليتامى فقال { وآتوا اليتامى أموالهم } وهذا خطاب لأوصياء اليتامى أي: أعطوهم أموالهم بالإنفاق عليهم في حالة الصغر وبالتسليم إليهم عند البلوغ إذا أونس منهم الرشد، وسمَّاهم يتامى بعد البلوغ مجاز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يُتَم بعد احتلام" " كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب بعد كبره يعنون أنه رَبّاه وكقولـه سبحانه: { { وأُلقي السحرة ساجدين } [الأعراف: 120] أي الذين كانوا سحرة { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } معناه: لا تستبدلوا ما حَرَّمه الله تعالى عليكم من أموال اليتامى بما أحَلّه الله لكم من أموالكم واختلف في صفة التبديل، فقيل: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم والرفيع منه ويجعلون مكانه الخسيس والرديء عن إبراهيم النخعي والسدي وسعيد بن المسيب والزهري والربيع والضحاك.
وقيل: معناه لا تتبدلوا الخبيث بالطيب بأن تتعجلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدرّ لكم عن أبي صالح، ومجاهد وقيل: معناه ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من أنهم لم يكونوا يورثون النساء ولا الصغار، بل يأخذه الكبار عن ابن زيد. وأقوى الوجوه الأول لأنه إنما ذكر عقيب أموال اليتامى فيكون معناه: لا تأخذوا السمين والجيّد من أموالهم، وتضعوا مكانهما المهزول والرديء فتحفظون عليهم عدد أموالهم، ومقاديرها، وتجحفون بهم في صفاتها ومعانيها.
وقولـه { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أي: مع أموالكم ومعناه: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعاً. ويحتمل أن يكون معناه: ولا تخلطوا الجيّد من أموالهم بالرديء من أموالكم فتأكلوها، فإن في ذلك إجحافاً وإضراراً بهم فأما إذا لم يكن في ذلك إضرار، ولا ظلم، فلا بأس بخلط مال اليتيم بماله فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى، فشقّ ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه:
{ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين } [البقرة: 220] الآية عن الحسن وهو المروي عن السيدين الباقر (ع) والصادق (ع): { إنه كان حوباً كبيراً } أي إثماً عظيماً.