التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٢٠
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً
٢١
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: القنطار مأخوذ من القنطرة ومنه القِنطر للداهية لأَنها كالقنطرة في عظم الصورة. ويقال: قنطر في الأَمر يقنطر إذا عظَّمه بتكثير الكلام فيه من غير حاجة إليه، والبهتان. الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له، وأصله التحيّر من قولـه فبُهت الذي كفر أي تحيَّر لانقطاع حجته فالبهتان كذب يُحيّر صاحبه لعظمه والإفضاء إلى شيء هو الوصول إليه بالملامسة وأصله من الفضاء وهو السعة فضا يفضو فضواً إذا اتّسع.
الإِعراب: بهتاناً مصدر وضع موضع الحال وكذلك قولـه" { وإثماً } والمعنى أتأخذونه مباهتين وآثمين.
المعنى: لمَّا حثَّ الله على حسن مصاحبة النساء عند الإِمساك عَقَّبه ببيان حال الاستبدال فقال مخاطباً للأَزواج { وإن أردتم } أيها الأَزواج { استبدال زوج مكان زوج } إقامة امرأة مقام امرأة { وآتيتم إحداهنّ } أي أعطيتم المطلقة التي تستبدلون بها غيرها { قنطاراً } أي مالاً كثيراً على ما قيل فيه من أنه ملء مسك ثور ذهباً أو أنه دية الإِنسان أو غير ذلك من الأَقوال التي ذكرناها في أول آل عمران { فلا تأخذوا منه } أي من المؤتى أي المُعطي { شيئاً } أي لا ترجعوا فيما أعطيتموهُنَّ من المهر إذا كرهتموهن وأردتم طلاقهن { أتأخذونه بهتاناً } هذا استفهام إنكاريّ أي تأخذونه باطلاً وظلماً كالظلم بالبهتان. وقيل: معناه أتأخذونه بإنكار التمليك وسمَّاه بهتاناً، لأَن الزوج إذا أنكر تمليكه إيّاها بغير حق استوجب المعطي لها في ظاهر الحكم كان إنكاره بهتاناً وكذباً.
{ وَإثماً مبيناً } أي ظاهراً لا شك فيه ومتى قيل في الآية لِمَ خصّ حال الاستبدال بالنهي عن الأَخذ مع أن الأَخذ محَرَّم مع عدم الاستبدال فجوابه أن مع الاستبدال قد يتوهم جواز الاسترجاع من حيث إن الثانية تقوم مقام الأُولى فيكون لها ما أخذت الأُولى فبيَّن تعالى أن ذلك لا يجوز وأزال هذا الإِشكال والمعنى إن أردتم تخلية المرأة سواء استبدلتم مكانها أخرى أم لم تستبدلوا فلا تأخذوا مما آتيتموها شيئاً { وكيف تأخذونه } وهذا تعجيب من الله تعالى وتعظيم أي عجباً من فعلكم كيف تأخذون ذلك منهن.
{ وقد أفضى بعضكم إلى بعض } وهو كناية عن الجماع عن ابن عباس ومجاهد والسدي. وقيل: المراد به الخلوة الصحيحة وإن لم يجامع فسمى الخلوة إفضاء، لوصوله بها إلى مكان الوطء، وكلا القولين قد رواه أصحابنا. وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس: إن الإفضاء حصوله معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها فقد وجب المهر في الحالين { وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } قيل فيه أقوال أحدها: أن الميثاق الغليظ هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان عن الحسن وابن سيرين، والضحاك، وقتادة، والسدي وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وثانيها: أن المراد به كلمة النكاح التي يستحلّ بها الفرج عن مجاهد، وابن زيد وثالثها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" عن عكرمة، والشعبي، والربيع. وقد قيل في هاتين الآيتين ثلاثة أقوال أحدها: إنهما محكمتان غير منسوختين، لكن للزوج أن يأخذ الفدية من المختلعة لأن النشوز حصل من جهتها، فالزوج يكون في حكم المكره لا المختار للاستبدال، ولا يتنافى حكم الآيتين، وحكم آية الخلع فلا يحتاج إلى نسخهما بها، وهو قول الأكثرين وثانيها: أنهما محكمتان وليس للزوج أن يأخذ من المختلعة شيئاً ولا من غيرها لأجل ظاهر الآية عن بكير بن بكر بن عبد الله المزني والثالث: أن حكمهما منسوخ بقولـه { { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } [البقرة: 229] عن الحسن.