القراءة: قرأ أبو عمرو وابن ذكوان وقتيبة على كل قلب بالتنوين والباقون { على كل قلب متكبر } على الإضافة وفي الشواذ قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي يوم التناد بتشديد الدال.
الحجة: قال أبو علي: من نوَّن فإنه جعل المتكبّر صفة لقلب فإذا وصف القلب بالتكبّر كان صاحبه في المعنى متكبّراً فكأنه أضاف التكبّر إلى القلب كما أضيف الصعر إلى الخدّ في قوله تعالى { { ولا تصعّر خدَّك للناس } [لقمان: 18] فكما يكون بتصعير الخد متكبراً كذلك يكون بالتكبر في القلب متكبّراً بجملة وأما من أضافه فقال { على كل قلب متكبر } فلا يخلو من أن يقدّر الكلام على ظاهره أو يقدّر فيه حذفاً فإن تركه على ظاهره كان
المعنى يطبع الله على كل قلب متكبر أي يطبع على جملة القلب من المتكبر وليس المراد أن يطبع على كل قلبه فيعمّ الجميع بالطبع إنما المعنى إنه يطبع على القلب إذا كانت قلباً قلباً.
والطبع علامة في جملة القلب كالختم عليه فإذا كان الحمل على الظاهر غير مستقيم علمت أن الكلام ليس على ظاهره وأنه حذف منه شيء وذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر فيكون المعنى يطبع على القلوب إذا كانت قلباً قلباً من كلّ متكبّر ويختم عليه ويؤكدّ ذلك أن في حرف ابن مسعود فيما زعموا على قلب كل متكبر وإظهار كل في حرفه يدل على أنه في حرف العامة أيضاً مراد وحسن حذف كل لتقدّم ذكره كما جاز ذلك في قوله:
أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ أَمْرَءاً وَنـــارٍ تَوَقَّـــدَ باللَّيْلِ نارا
وفي قولهم ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة فحذف كل التقدّم ذكرها فكذلك في الآية وأما التناد بالتشديد فإنه تفاعل من ندَّ يندّ إذا نفر.
اللغة: الجبّار الذي يَقتل على الغضب. يقال: أجبر فهو جبّار مثل أدرك فهو درّاك قال الفراء ولا ثالث لهما وقال ابن خالويه: وجدت لهما ثالثاً أسَارَ فهو سئّار.
المعنى: ثم فسَّر سبحانه ذلك فقال { مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود } والدأب العادة ومعناه إني أخاف عليكم مثل سنة الله في قوم نوح وعاد وثمود وحالهم حين أهلكهم الله واستأصلهم جزاءً على كفرهم { والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد } وفي هذا أوضح دلالة على فساد قول المجبرة القائلة بأن كل ظلم يكون في العالم فهو بإرادة الله تعالى.
ثم حذَّرهم عذاب الآخرة أيضاً فقال { ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } حذف الياء للاجتزام بالكسرة الدالة عليها وهو يوم القيامة ينادي فيه بعض الظالمين بعضاً بالويل والثبور. وقيل: إنه اليوم الذي ينادي فيه أصحاب الجنة أصحاب النار { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً } الآية وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة { أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } عن الحسن وقتادة وابن زيد. وقيل: ينادي فيه كل أناس بإمامهم
{ يوم تولّون مدبرين } أي يوم تعرضون على النار فارّين منها مقدرين أن الفرار ينفعكم. وقيل: منصرفين إلى النار بعد الحساب عن قتادة ومقاتل { ما لكم من الله من عاصم } أي مانع من عذاب الله { ومن يضلل الله فما له من هاد } أي من يضلل الله عن طريق الجنة فما له من هاد يهديه إليها { ولقد جاءكم يوسف } وهو يوسف بن يعقوب بعثه الله رسولاً إلى القبط { من قبل } أي من قبل موسى { بالبينات } أي بالحجج الواضحات { فما زلتم في شك مما جاءكم به } من عبادة الله تعالى وحده لا شريك له عن ابن عباس. وقيل: ممّا دعاكم إليه من الدين
{ حتى إذا هلك } أي مات { قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً } أي أقمتم على كفركم وظننتم أن الله تعالى لا يجدّد لكم إيجاب الحجة { كذلك } أي مثل ذلك الضلال { يضلّ الله من هو مسرف } على نفسه كافر وأصل الإسراف مجاوزة الحد { مرتاب } أي شاكّ في التوحيد ونبوة الأنبياء.
{ الذين يجادلون في آيات الله } أي في دفع آيات الله وإبطالها وموضع الذين نصب لأنه بدل من قوله { من هو مسرف } ويجوز أن يكون رفعاً بتقديم هُم { بغير سلطان } أي بغير حجة
{ أتاهم كبر مقتاً عند الله } أي كبر ذلك الجدال منهم عداوة عند الله { وعند الذين آمنوا } بالله والمعنى مقته الله تعالى ولعنه وأعدَّ له العذاب ومقته المؤمنون وأبغضوه بذلك الجدال وأنتم جادلتم وخاصمتم في ردّ آيات الله مثلهم فاستحققتم ذلك { كذلك } أي مثل ما طبع على قلوب أولئك بأن ختم عليها علامة لكفرهم { يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } يفعل ذلك عقوبة له على كفره والجبار صفة للمتكبر وهو الذي يأنف من قبول الحق. قيل: وهو القتال.