مجمع البيان في تفسير القرآن
المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد لكفار قومك { إني نهيت } أي نهاني الله { أن أعبد الذين تدعون من دون الله } أي أوجّه العبادة إلى من تدّعونه من دون الله من الأصنام التي تجعلونها آلهة { لما جاءني البينات من ربي } أي حين أتاني الحجج والبراهين من جهة الله تعالى دلَّتني على ذلك { وأمرت } مع ذلك { أن أسلم لربّ العالمين } أي أستسلم لأمر رب العالمين الذي يملك تدبير الخلائق أجمعين.
ثم عاد إلى ذكر الأدلة فقال { هو الذي خلقكم } معاشر البشر { من تراب } أي خلق أباكم آدم من تراب وأنتم نسله وإليه تنتمون { ثم من نطفة } أي ثم أنشأ من ذلك الأصل الذي خلقه من تراب النطفة وهي ماء الرجل والمرأة { ثم من علقة } وهي قطعة من الدم { ثم يخرجكم طفلاً } أي أطفالاً واحداً واحداً فلذلك ذكره بالتوحيد قال يونس العرب تجعل الطفل للواحد والجماعة قال الله تعالى { { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } [النور: 31] والمعنى ثم يقلبكم أطواراً إلى أن يخرجكم من أرحام الأمهات أطفالاً صغاراً.
{ ثم لتبلغوا أشدكم } وهو حال استكمال القوة وهذا يحتمل أن يكون معطوفاً على معنى قوله { ثم يخرجكم طفلاً } لتنشؤوا وتشبوا ثم لتبلغوا أشدّكم ويحتمل أن يكون معطوفاً على معنى قوله { يخرجكم طفلاً } والتقدير لطفوليتكم ثم لتبلغوا أشدّكم
{ ثم لتكونوا شيوخاً } بعد ذلك { ومنكم من يتوفى من قبل } أي من قبل أن يصير شيخاً ومن قبل أن يبلغ أشدّه { ولتبلغوا أجلاً مسمى } أي وليبلغ كل واحد منكم ما سمي له من الأجل الذي يموت عنده. وقيل: هذا للقرن الذي تقوم عليهم القيامة والأجل المسمى هو القيامة عن الحسن { ولعلكم تعقلون } أي خلقكم لهذه الأغراض التي ذكرها ولكي تتفكّروا في ذلك فتعقلوا ما أنعم الله به عليكم من أنواع النعم وأراده منكم من إخلاص العبادة ثم قال.
{ هو الذي يحيي ويميت } أي من خلقكم من تراب على هذه الأوصاف التي ذكرها هو الذي يحييكم وهو الذي يميتكم فأوَّلكم من تراب وآخركم إلى تراب { فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } ومعناه أنه يفعل ذلك من غير أن يتعذر ويمتنع عليه فهو بمنزلة ما يقال له كن فيكون لأنه سبحانه يخاطب المعدوم بالتكون
{ ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله } يعني المشركين الذين يخاصمون في إبطال حجج الله ودفعها { أنى يصرفون } أي كيف ومن أين يقلبون عن الطريق المستقيم إلى الضلال ولو كانوا يخاصمون في آيات الله بالنظر في صحتها والفكر فيها لما ذمَّهم الله تعالى ثم وصفهم سبحانه فقال { الذين كذَّبوا بالكتاب } أي بالقرآن وجحدوه { وبما أرسلنا به رسلنا } أي وكذَّبوا بما أرسلنا به من الكتب والشرائع رسلنا قبلك { فسوف يعلمون } عاقبة أمرهم إذ حلَّ بهم وبال ما جحدوه ونزل بهم عقاب ما ارتكبوه فيعرفون أن ما دعوتهم إليه حق وما ارتكبوه ضلال وفساد.