التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٦
ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
١٠
-غافر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل المدينة وابن عامر كلمات ربك على الجمع والباقون { كلمة ربك } على التوحيد.
الحجة: قال أبو علي: الكلمة تقع مفردة على الكثرة فإذا كان كذلك استغني فيها عن الجمع كما تقول يعجبني قيامكم وقعودكم قال سبحانه
{ { لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً } [الفرقان: 14] وقال { { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } [لقمان: 19] فأفرد الصوت مع الإضافة إلى الكثرة فكذلك الكلمة وقد قالوا: قال قس في كلمته يعنون خطبته ومن جمع فلأن هذه الأشياء وإن كانت تدل على الكثرة قد تجمع إذا اختلف أجناسها.
الإعراب: { أنهم أصحاب النار } يجوز أن يكون موضعه نصباً على تقدير بأنهم أو لأنهم ويجوز أن يكون رفعاً على البدل من "كلمة" ومن حوله معطوف على الذين يحملون العرش ورحمة وعلماً منصوبان على التمييز { ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } في موضع نصب عطفاً على الهاء والميم في { وأدخلهم } أي وادخل من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم الجنة أيضاً ويجوز أن يكون عطفاً على الهاء والميم في وعدتهم أي وعدت من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
وقوله { لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون } لا يجوز أن يكون إذ ظرفاً لمقت الله لأن المصدر لا يجوز أن يحال بينه وبين معموله بالأجنبي ولا يجوز أن يكون ظرفاً للمقت الثاني في قوله { من مقتكم أنفسكم } لأن الدعاء إلى الإيمان كان في الدنيا ومقتهم أنفسهم يكون في الآخرة ولا يجوز أن يكون ظرفاً لتدعون لأن تدعون في موضع جرّ بالإضافة والمضاف إليه لا يجوز أن يعمل في المضاف فالوجه أن يتعلق الظرف بفعل مضمر دلَّت عليه الجملة تقديره مقتم إذ تدعون أو يتعلق بالمقت الثاني على تقدير تسمية الشيء بما يؤول إليه.
المعنى: ثم قال سبحانه { وكذلك } أي ومثل ما حق على الأمم المكذبة من العقاب { حقت كلمة ربك } أي العذاب { على الذين كفروا } من قومك أي أصرّوا على كفرهم { أنهم } أي لأنهم أو بأنهم { أصحاب النار } عن الأخفش.
ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين وأنه تستغفر لهم الملائكة مع عظم منزلتهم عند الله تعالى فحالهم بخلاف أحوال من تقدَّم ذكرهم من الكفار فقال { الذين يحملون العرش } عبادة لله وامتثالاً لأمره { ومن حوله } يعني الملائكة المطيفين بالعرش وهم الكروبيّون وسادة الملائكة { يسبّحون بحمد ربهم } أي ينزّهون ربهم عما يصفه به هؤلاء المجادلون. وقيل: يسبّحونه بالتسبيح المعهود ويحمدونه على إنعامه { ويؤمنون به } أي ويصدّقون به ويعترفون بوحدانيته { ويستغفرون } أي ويسألون الله المغفرة { للذين آمنوا } من أهل الأرض أي صدّقوا بوحدانية الله واعترفوا بإلهيته وبما يجب الاعتراف به يقولون في دعائهم لهم.
{ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً } أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء والمراد بالعلم المعلوم كما في قوله
{ { ولا يحيطون بشيء من علمه } [البقرة: 255] أي بشيء من معلومه على التفصيل فجعل العلم في موضع المعلوم والمعنى أنه لا اختصاص لمعلوماتك بل أنت عالم بكل معلوم ولا تختص رحمتك حيّاً دون حيّ بل شملت جميع الحيوانات وفي هذا تعليم الدعاء ليبدأ بالثناء عليه قبل السؤال.
{ فاغفر للذين تابوا } من الشرك والمعاصي { واتبعوا سبيلك } الذي دعوت إليه عبادك وهو دين الإسلام { وقهم } أي وادفع عنهم { عذاب الجحيم } وفي هذه الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضّل من الله تعالى إذ لو كان واجباً لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة.
{ ربنا وأدخلهم } مع قبول توبتهم ووقايتهم النار { جنات عدن التي وعدتهم } على ألسن أنبيائك { ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } ليكمل أنسهم ويتمّ سرورهم { إنك أنت العزيز } القادر على من يشاء { الحكيم } في أفعالك { وقهم السيئات } أي وقهم عذاب السيئات ويجوز أن يكون العذاب هو السيئات وسمّاه السيئات اتّساعاً كما قال
{ { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40] { ومن تق السيئات يومئذٍ فقد رحمته } أي ومن تصرف عنه شرّ معاصيه فتفضَّلت عليه يوم القيامة بإسقاط عذابها فقد أنعمت عليه { وذلك هو الفوز العظيم } أي الظفر بالبغية والفلاح العظيم.
ثم عاد الكلام إلى من تقدَّم ذكرهم من الكفار فقال عزَّ اسمه { إن الذين كفروا ينادون } أي يناديهم الملائكة يوم القيامة { لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } والمقت أشدّ العداوة والبغض والمعنى أنهم لما رأوا أعمالهم ونظروا في كتابهم وادخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء صنيعهم فنودوا لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم عن مجاهد وقتادة والسدي. وقيل: إنهم لما تركوا الإيمان وصاروا إلى الكفر فقد مقتوا أنفسهم أعظم المقت وهذا كما يقول أحدنا لصاحبه إذا كنت لا تبالي بنفسك فمبالاتي بك أقل وليس يريد أنه لا يبالي بنفسه بل يريد أنه يفعل فعل من هو كذلك عن البلخي.