التفاسير

< >
عرض

وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ
٨١
أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: ثم قال سبحانه مخاطباً للكفار الذين جحدوا آيات الله وأنكروا أدلته الدالة على توحيده { ويريكم آياته } أي ويعلّمكم حججه ويعرفكم إياها ومنها إهلاك الأمم الماضية ووجه الآية فيه أنهم بعد حصولهم في النعم صاروا الى النقم بكفرهم وجحودهم ومنها الآية في خلق الأنعام التي قدَّم ذكرها ووجه الآية فيها تسخيرها لمنافع الخلق بالتصريف في الوجوه التي قد جعل كل شيء منها لما يصلح له وذلك يقتضي أن الجاعل لذلك قادر على تصريفه عالم بتدبيره.
{ فأيَّ آيات الله تنكرون } هذا توبيخ لهم على الجحد وقد يكون الإِنكار والجحد تارة بأن يجحد أصلاً وتارة بأن يجحد كونها دالة على صحة ما هي دلالة عليه والخلاف يكون في ثلاثة أوجه: إما في صحتها في نفسها وإما في كونها دلالة، وإما فيهما جميعاً. وإنما يجوز من الجهّال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية وضعف الشبهة لأمور:
منها: اتباع الهوى ودخول الشبهة التي تغطي على الحجة حتى لا يكون لها في النفس منزلة.
ومنها: التقليد لمن ترك النظر في الأمور.
ومنها: السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمنع ذلك من توليد النظر للعلم.
ثم نبَّههم سبحانه فقال { أفلم يسيروا في الأرض } بأن يمرّوا في جنباتها { فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم } عدداً { وأشدّ قوة } أي وأعظم قوة { وآثاراً في الأرض } بالأبنية العظيمة التي بنوها والقصور المشيدة التي شيَّدوها. وقيل: بمشيهم على أرجلهم على عظم خلقهم عن مجاهد فلما عصوا الله سبحانه وكفروا به وكذَّبوا رسله أهلكهم الله واستأصلهم بالعذاب { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } أي لم يغن عنهم ما كسبوه من البنيان والأموال شيئاً من عذاب الله تعالى. وقيل: إنّ ما في قوله { فما أغنى } بمعنى أي فالمعنى فأيّ شيء أغنى عنهم كسبهم فيكون موضع ما الأولى نصباً وموضع ما الثانية رفعاً.
ثم قال سبحانه { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات } أي فلما أتى هؤلاء الكفار رسلهم الذين دعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له بالحجج والآيات وفي الكلام حذف تقديره لما جاءتهم رسلهم بالبينات فجحدوها وأنكروا دلالتها ووعد الله الرسل بإهلاك أممهم ونجاة قومهم { فرحوا بما عندهم من العلم } أي فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلك عن الجبائي. وقيل: معناه فرح الكفار بما عندهم من العلم أي بما كان عندهم أنه علم وهو جهل على الحقيقة لأنهم قالوا نحن أعلم منهم لا نبعث ولا نعذّب واعتقدوا أنه علم فأطلق عليه لفظ العلم على اعتقادهم كما قال
{ { حجتهم داحضة } [الشورى: 16] وقال { { ذق إنك أنت العزيز الكريم } [الدخان: 49] أي عند نفسك أو عند قومك عن الحسن ومجاهد. وقيل: معناه فرحوا بالشرك الذي كانوا عليه وأعجبوا به وظنوا أنه علم وهو جهل وكفر عن الضحاك. قال: والمراد بالفرح شدة الإِعجاب.
{ وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون } أي حلَّ بهم ونزل بهم جزاء استهزائهم برسلهم من العذاب والهلاك { فلما رأوا بأسنا } أي عذابنا النازل بهم { قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين } أي كفرنا بالأصنام والأوثان { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } أي عند رؤيتهم بأس الله وعذابه لأنهم يصيرون عند ذلك ملجئين وفعل الملجأ لا يستحق به المدح { سنت الله التي قد خلت } من قبل { في عباده } نصب سنة الله على المصدر ومعناه سنَّ الله هذه السنة في الأمم الماضية كلها إذ لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب والمراد بالسنة هنا الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين { وخسر هنالك الكافرون } بدخول النار واستحقاق النقمة وفوت الثواب والجنة وبالله التوفيق وحسبنا الله ونعم المولى ونعم النصير.
تمَّ الجزء الثامن من كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن