التفاسير

< >
عرض

مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ
٤٣
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٤٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
٤٥
-فصلت

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص أأعجمي بهمزتين وقرأ هشام عن ابن عامر بهمزة واحدة وقرأ الباقون بهمزة واحدة ممدودة.
الحجة: قال أبو علي الأعجمي الذي لا يفصح من العرب كان أو من العجم قالوا زياد الأعجم لآفة كانت في لسانه وكان عربيّاً وقالوا صلاة النهار عجماء أي تخفى فيها القراءة ولا تبين ويجمع الأعجم على عجم أنشد أبو زيد:

يَقُولُ الْخَنا وأبْغَضُ الْعُجْمِ ناطِقاً إلى رَبِّنا صَوْتُ الْحِمارِ اليُجَدَّعُ

أي أبغض صوت العجم صوت الحمار وتسمّي العرب من لم يبيّن كلامه من أيّ صنف كان من الناس أعجم ومنه قول ابن الأخزر:

سَلُّومُ لَوْ أصْبَحْتَ وَسْطَ الأَعْجَمِ بِالــرُّومِ أوْ بِالتُّـــرْكِ أوْ بِالدَّيَلمِ

فقال لو كنت وسط الأعجم ولم يقل وسط العجم لأنّه جعل كل من لم يبيّن كلامه أعجم فكأنه قال وسط القبيل الأعجم والعجم خلاف العرب والعجمي خلاف العربي منسوب إلى العجم وإنما قوبل الأعجمي بالعربي في الآية وخلاف العربي العجمي لأنّ الأعجمي في أنّه لا يبيّن مثل العجمي عندهم فمن حيث اجتمعا في أنهما لا يبينان قوبل به العربي في قوله { أعجمي وعربي } وينبغي أن يكون الأعجمي الياء فيه للنسب نسب إلى الأعجم الذي لا يفصح وهو في المعنى كالعجمي وإن كانا يختلفان في النسبة فيكون الأعجمي عربيّاً ويجوز أن يقال للرجل أعجمي ويراد به ما يراد بأعجم بغير ياء النسب كما يقال أحمر وأحمري ودوار ودواري وقوله { ولو نزّلناه على بعض الأعجمين } مما جمع على إرادة ياء النسب فيه مثل قولهم النميرون ولولا ذلك لم يجز جمعه بالواو والنون ألا ترى أنك لا تقول في الأحمر إذا كان صفةً أحمرون وإنّما جاز الأعجمون لما ذكرنا فأمّا الأعاجم فينبغي أن تكون تكسير أعجميّ كما كان المسامعة تكسير مسمعي وقد استعمل هذا الوصف استعمال الأسماء فمن ذلك قوله:

حَـزقٌ يَمانِيـةٌ لأَعْجَــمَ طِمْطِــمِ

فينبغي أن يكون من باب الأجارع والأباطح وأمّا قوله تعالى { أعجمي وعربي } فالمعنى المنزل أعجمي والمنزل عليه عربي فقوله أعجمي وعربي يرتفع كل منهما على أنّه خبر مبتدأ محذوف وهذه الآية في المعنى كقوله { { ولو نزّلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين } [الشعراء: 198].
المعنى: ثم عزّى سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم فقال { ما يقال لك إلاّ ما قد قيل للرسل من قبلك } أي ما يقول هؤلاء الكفار لك إلا ما قد قيل للأنبياء قبلك من التكذيب والجحد لنبوتهم عن قتادة والسّدي والجبائي. وقيل: معناه ما يقول الله لك إلا ما قد قاله للرسل من قبلك وهو الأمر بالدعاء إلى الحق في عبادة الله ولزوم طاعته فهذا القرآن موافق لما قبله من الكتب. وقيل: معناه ما حكاه تعالى بعده من { إنّ ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } فيكون على جهة الوعد والوعيد أي أنّه لذو مغفرة لمن آمن بك وذو عقاب أليم لمن كذّب بك.
{ ولو جعلناه قرآناً أعجمياً } أي لو جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس بغير لغة العرب { لقالوا لولا فصّلت آياته } أي هلاّ بيّنت بلسان العرب حتى نفهمه { أأعجمي وعربي } أي كتاب أعجمي ونبي عربي وهذا استفهام على وجه الإنكار والمعنى أنهم كانوا يقولون المنزل عليه عربي والمنزل أعجمي وكان ذلك أشدّ لتكذيبهم فبيّن الله سبحانه أنّه أنزل الكتاب بلغتهم وأرسل الرسول من عشيرتهم ليكون أبلغ في الحجة واقطع للمعذرة.
{ قل } يا محمد لهم { هو } أي القرآن { للذين آمنوا هدىً } من الضلالة { وشفاء } من الأوجاع. وقيل: وشفاء للقلوب من كلّ شكّ وريب وشبهة وسمّى اليقين شفاءً كما سمّى الشك مرضاً في قوله
{ { في قلوبهم مرض } [البقرة: 10].
{ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر } أي ثقل وصَمَم عن سماعه يثقل عليهم استماعه فلا ينتفعون به فكأنهم صُمُّ عنه { وهو عليهم عمى } عميت قلوبهم عنه عن السّدي يعني أنّهم لما ضلّوا عنه وحاروا عن تدبّره فكأنه عمىً لهم { أولئك ينادون من مكان بعيد } أي أنّهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أنّ من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم وإنّما قال ذلك لبعد أفهامهم وشدّة إعراضهم عنه. وقيل: لبعده عن قلوبهم عن مجاهد. وقيل: ينادى الرجل منهم في الآخرة بأشنع اسمه عن الضحاك.
{ ولقد آتينا موسى الكتاب } أي التوراة { فاختلف فيه } لأنه آمن به قوم وكذّب به آخرون وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً عن جحود قومه له وإنكارهم لنبّوته { ولولا كلمة سبقت من ربّك } في تأخير العذاب عن قومك وأنّه لا يعذبهم وأنت فيهم { لقضي بينهم } أي لفرغ من عذابهم واستئصالهم وقيل: معناه لولا حكم سبق من ربك بتأخيرهم العذاب إلى وقت انقضاء آجالهم لقضي بينهم قبل انقضاء آجالهم فيظهر المحقّ من المبطل { وإنّهم لفي شكّ منه مريب } أي وإنّ قومك لفي شك مما ذكرناه موقع لهم الريبة وهو أفظع الشك.