التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ
٥١
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٢
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٥٣
أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ
٥٤
-فصلت

مجمع البيان في تفسير القرآن

المعنى: ثم أخبر سبحانه عن جهل الإنسان الذي تقدّم وصفه بمواقع نعم الله سبحانه فقال { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } عن الشكر { ونأى بجانبه } أي بُعد بجانبه تكبّراً وتجبّراً عن الاعتراف بنعم الله تعالى ومن قرأ ناء فإنه مقلوب من نأى كما في قول الشاعر:

أقُولُ وَقَدْ ناءَتْ بِها غُرْبَةُ النَّوى نَــوى خَيْتَعُــورٍ لا تَشِطُّ دِيــارُكِ

{ وإذا مسّه الشّر } أي الضّر أو الفقر أو المرض { فذو دعآء عريض } أي فهو ذو دعاءٍ كثير عند ذلك عن السّدي وإنّما قال فذو دعاء عريض ولم يقل طويل لأنّه أبلغ فإنّ العرض يدلّ على الطول والطول لا يدلّ على العرض إذ قد يصحّ طويل ولا عرض له ولا يصحّ عريض ولا طول له فإنّ العرض الانبساط في خلاف جهة الطول والطول الامتداد في أيّ جهة كان وفي الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر القائلين بأنّه ليس لله على الكافر نعمة فإنّ الله سبحانه أخبر بأنّه ينعم على الكافر وأنّه يعرض عن موجبها من الشكر والمراد بالآية أنّ الكافر يسأل ربّه بالتضرع والدعاء أن يكشف ما به من الضّر والبلاء ويعرض عن الدعاء في الرخاء.
{ قل } يا محمد { أرأيتم إن كان } القرآن { من عند الله }. وقيل: إن كان هذا الإنعام من عند الله { ثمّ كفرتم به } وجحدتموه { من أضلّ ممّن هو في شقاق بعيد } أي في خلاف للحق بعيد عنه وهو أنتم والشقاق والمشاقّة الميل إلى شقّ العداوة أي فلا أحد أضلّ منكم.
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم } إختلف في معناه على أقوال أحدها: أنّ المعنى سنريهم حججنا ودلائلنا على التوحيد في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والبحار والجبال وفي أنفسهم وما فيها من لطائف الصنعة وبدائع الحكمة { حتى يتبيّن لهم } أي يظهر لهم { أنّه الحقّ } أي أنّ الله هو الحق عن عطاء وابن زيد وثانيها: أنّ معناه سنريهم آياتنا ودلائلنا على صدق محمّد صلى الله عليه وسلم وصحّة نبوّته في الآفاق أي بما فتح من القرى عليه وعلى المسلمين في أقطار الأرض وفي أنفسهم يعني فتح مكة عن السدي والحسن ومجاهد وقالوا هو ظهور محمد صلى الله عليه وسلم على الآفاق وعلى مكّة حتّى يعرفوا أنّ ما أتى به من القرآن حقّ ومن عند الله لأنّهم بذلك يعرفون أنّه مؤيّد من قبل الله تعالى بعد أن كان واحداً لا ناصر له وثالثها: أنّ المراد بقوله في الآفاق وقائع الله في الأمم وفي أنفسهم وقعة يوم بدر عن قتادة ورابعها: أنّ معناه سنريهم آياتنا في الآفاق بصدق ما كان يخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث فيها وفي أنفسهم يعني ما كان بمكّة من انشقاق القمر حتّى يعلموا أنّ خبره حقّ من قبل الله سبحانه وخامسها: أنّ المراد سنريهم آثار من مضى من قبلهم ممّن كذّب الرسل من الأمم وآثار خلق الله في كلُّ البلاد وفي أنفسهم من أنهم كانوا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ثم كسيت لحماً ثم نقلوا إلى التمييز والعقل وذلك كله دليل على أنّ الذي فعله واحد ليس كمثله شيء عن الزجاج.
{ أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد } موضع قوله { بربك } رفع والمعنى أو لم يكف ربّك وأنّه على كلّ شهيد في موضع رفع أيضاً على البدل وإن حملته على اللفظ فهو في موضع جرّ والمفعول محذوف وتقديره أو لم يكف شهادة ربّك على كلّ شيء ومعنى الكفاية هنا أنه سبحانه بيّن للناس ما فيه كفاية من الدلالة على توحيده وتصحيح نبوّة رسله قال مقاتل معناه أو لم يكف ربّك شاهداً أنّ القرآن من عند الله. وقيل: معناه أو لم يكف ربّك لأنه على كلّ شيء شهيد أي عليم بالأشياء شاهد لجميعها لا يغيب عنه شيء.
{ ألا إنّهم في مرية من لقاء ربّهم } ألا كلمة تنبيه وتأكيد أن الكفار في شك من لقاء ثواب ربّهم وعقابه أي في شكّ من مجازاة ربّهم وفي هذا تسفيه لهم في إضافة العبث إلى الله { ألا إنّه بكل شيء محيط } أي أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء.