القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر سقفاً بفتح السين والباقون سقفاً بضم السين والقاف وقرأ عاصم وحمزة وإن كلّ ذلك لمّا بتشديد الميم والباقون لما خفيفة الميم.
الحجة: قال أبو علي: سُقُف جمع سقف مثل رُهُن ورهن ويخفف فيقال رهن وفعل في الجمع يخفف وسقف واحد يدلّ على الجمع ألا ترى أنه علم بقوله { لبيوتهم } إنّ لكل بيت سقفاً ومن شدّد لمّا كانت أن عنده بمنزلة ما النافية فالمعنى ما كلّ ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ولمّا في معنى إلا حكى سيبويه نشدتك الله لمّا فعلت وحمله على إلا وهذه الآية تدلّ على فساد قول من قال إنّ قوله { { وإن كل لمّا جميع لدينا محضرون } [يس: 32] إنّ المعنى لمن هو جميع لدينا حاضرون وزعموا أن في قوله وإن كل هي المخففة من الثقيلة واللام فيها هي التي تدخل لتفصل بين النفي والإيجاب في قوله:
هبلتـك أمـك إن قتلـت لفارسـاً
ومن نصب بها مخففة فقال إن زيداً لمنطلق استغنى عن هذه اللام لأن النافية لا ينتصب بعدها اسم فلا يقع اللبس وما فيه زيادة وإنّ كل ذلك لمتاع الحياة الدنيا.
اللغة: المعارج الدرج واحدها معرج والعروج الصعود وظهر عليه إذا علاه وصعده قال النابغة الجعدي:
بَلَغْنَا السَّماءَ مَجدَنا وجُدُودَنا وَإنَّـا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرا
والسُرُر جمع سرير ويجمع على أسرة أيضاً والزخرف كمال حسن الشيء ومنه قيل للذهب زخرف ويقال زخرفه إذا حسّنه وزيّنه ومنه قيل للنقوش والتصاوير زخرف وفي الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي.
المعنى: { وقالوا } أي وقال هؤلاء الكفار { لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } يعنون بالقريتين مكة والطائف وتقدير الآية على رجل عظيم من القريتين أي من إحدى القريتين فحذف المضاف ويعنون بالرجل العظيم من إحدى القريتين الوليد بن المغيرة من مكّة وأبا مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف عن قتادة. وقيل: عتبة بن أبي ربيعة من مكة وابن عبد يا ليل من الطائف عن مجاهد. وقيل: الوليد بن المغيرة من مكة وحبيب بن عمر الثقفي من الطائف عن ابن عباس وإنما قالوا ذلك لأنّ الرجلين كانا عظيمي قومهما وذوي الأموال الجسيمة فيهما فدخلت الشبهة عليهم حتى اعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوّة.
فقال سبحانه ردّاً عليهم { أهم يقسمون رحمة ربّك } يعني النبوّة بين الخلق بيّن سبحانه أنه هو الذي يقسم النبوّة لا غيره والمعنى أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا عن مقاتل ثم قال سبحانه { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } أي نحن قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمناه من مصالح عبادنا فليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك فكما فضّلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة من نشاء وقوله { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } معناه أفقرنا البعض وأغنينا البعض فتلقى ضعيف الحيلة غنيّ اللسان وهو مبسوط له وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه ولم نفوض ذلك إليهم مع قلّة خطره بل جعلناه على ما توجبه الحكمة والمصلحة فكيف نفوّض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلّها وشرف قدرها.
وقوله { ليتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً } معناه أنّ الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة أنّ في ذلك تسخيراً من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليهم يستخدم بعضهم بعضاً فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم. وقيل: معناه ليملك بعضهم بعضاً بما لهم فيتّخذونهم عبيداً ومماليك عن قتادة والضحاك { ورحمة ربّك خير ممّا يجمعون } أي ورحمة الله سبحانه ونعمته من الثواب والجنة خير مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا. وقيل: معناه والنبوة لك من ربك خير مما يجمعونه من الأموال عن ابن عباس.
ثم أخبر سبحانه عن هوان الدنيا عليه وقلّة مقدارها عنده فقال { ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة } أي لولا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلّهم كفّاراً على دين واحد لميلهم إلى الدنيا وحرصهم عليها عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدّي. وقيل: معناه ولولا أن يجتمع الناس على اختيار الدنيا على الدين عن ابن زيد { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة } قوله لبيوتهم بدل من قوله لمن يكفر والمعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن سقفاً من فضّة فالسقف إذا كان من فضّة فالحيطان من فضّة. وقيل: إن اللام الثانية بمعنى على فكأنه قال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم سقفاً من فضّة وقال مجاهد ما يكون من السماء فهو سقف بالفتح وما يكون من البيت فهو سقف بضمتين ومنه قوله { { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } [الأنبياء: 32] { ومعارج عليها يظهرون } أي وجعلنا درجاً وسلاليم من فضّة لتلك السقف عليها يعلون ويصعدون.
{ ولبيوتهم أبواباً وسرراً } أي وجعلنا لبيوتهم أبواباً وسرراً من فضّة { عليها } أي على تلك السرر { يتّكئون وزخرفاً } أي ذهباً عن ابن عباس والضحاك وقتادة وهو منصوب بفعل مضمر أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهباً. وقيل: الزخرف النقوش عن الحسن. وقيل: هو الفرش ومتاع البيت عن ابن زيد والمعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمنّاه فيها لقلّتها وحقارتها عنده ولكنّه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة.
ثم أخبر أنّ جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال { وإن كلّ ذلك لما متاع الحياة الدنيا } وقد مرّ بيانه { والآخرة } أي الجنة الباقية { عند ربّك للمتقين } خاصّة لهم قال الحسن: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل سبحانه ذلك فكيف لو فعله وفي هذه الآية دلالة على اللطف وأنّه تعالى لا يفعل المفسدة وما يدعو إلى الكفر وإذا لم يفعل ما يؤدّي إلى الكفر فَلأَن لا يفعل الكفر ولا يريده أولى.