التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ
٣٠
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٣٢
وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ
٣٣
إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ
٣٤
إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ
٣٥
فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٣٦
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٣٧
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ
٣٨
مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٩
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ
٤٠
-الدخان

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: من فرعون أي من عذاب فرعون فحذف المضاف ويجوز أن يكون حالاً من العذاب المهين أي ثابتاً من فرعون فلا يكون على حذف المضاف. أهم خير أم قوم تبّع والذين من قبلهم يجوز أن يكون الذين من قبلهم مبتدأ وأهلكناهم خبره ويجوز أن يكون منتصباً بفعل مضمر دلّ عليه أهلكناهم ويجوز أن يكون رفعاً بالعطف على قوم تبّع فعلى هذا تقف على قبلهم ويكون أهلكناهم في تقدير وأهلكناهم أي والمهلكون من قبلهم.
المعنى: ثمّ أقسم سبحانه بقوله { ولقد نجّينا بني إسرائيل } الذين آمنوا بموسى { من العذاب المهين } يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والاستعباد وتكليف المشاقّ { من فرعون إنّه كان عالياً } أي متجبّراً متكبّراً متغلّباً { من المسرفين } أي المجاوزين الحدّ في الطغيان وصفة بأنّه عالٍ وإن جاز أن يكون عالٍ صفة مدح لأنه قيّده بأنه عالٍ في الإسراف لأنّ العالي في الإحسان ممدوح والعالي في الإساءة مذموم.
{ ولقد اخترناهم } أي اخترنا موسى وقومه بني إسرائيل وفضّلناهم بالتوراة وكثرة الأنبياء منهم { على علم } أي على بصيرة منّا باستحقاقهم التفضيل والاختيار { على العالمين } أي على عالمي زمانهم عن قتادة والحسن ومجاهد ويدلّ عليه قوله تعالى لأمّة نبينا صلى الله عليه وسلم
{ { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [آل عمران: 110]. وقيل: فضّلناهم على جميع العالمين في أمر كانوا مخصوصين به وهو كثرة الأنبياء منهم.
{ وآتيناهم } أي وأعطيناهم { من الآيات } يعني الدلالات والمعجزات مثل فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى { ما فيه بلاء مبين } أي ما فيه النعمة الظاهرة عن الحسن. وقيل: ما فيه شدّة وامتحان مثل العصا واليد البيضاء فالبلاء يكون بالشدّة والرخاء عن ابن زيد فيكون في الآيات نعمة على الأنبياء وقومهم وشدّة على الكفار المكذّبين بهم.
ثم أخبر سبحانه عن كفّار قوم نبينا صلى الله عليه وسلم الذين ذكرهم في أول السورة فقال { إنّ هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى } أي ما الموتة إلا موتة نموتها في الدنيا ثم لا نبعث بعدها وهو قوله { وما نحن بمنشرين } أي بمبعوثين ولا معادين.
{ فأتوا بآبائنا } الذين ماتوا قبلنا وأعيدوهم { إن كنتم صادقين } في أنّ الله تعالى يقدر على إعادة الأموات وإحيائهم. وقيل: إن قائل هذا أبو جهل بن هشام قال إن كنت صادقاً فابعث جدّك قُصيّ بن كلاب فإنّه كان رجلاً صادقاً لنسأله عمّا يكون بعد الموت وهذا القول جهل من أبي جهل من وجهين.
أحدهما: أنّ الإعادة إنّما هي للجزاء لا للتكليف وليست هذه الدار بدار جزاء ولكنها دار تكليف فكأنّه قال: إن كنت صادقاً في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف والثاني: أنّ الإحياء في دار الدنيا إنما يكون للمصلحة فلا يقف ذلك على اقتراحهم لأنه ربما تعلّق بذلك مفسدة.
ولما تركوا الحجة وعدلوا إلى الشبهة جهلاً عدل سبحانه في أجابتهم إلى الوعيد والوعظ فقال { أهم خير أم قوم تبّع } أي أمشركو قريش أظهر نعمة وأكثر أموالاً وأعزّ في القوة والقدرة أم قوم تبّع الحميري الذي سار بالجيوش حتى حيّر الحيرة ثم أتى سمرقند فهدمها ثمّ بناها وكان إذا كتب كتب باسم الذي ملك برّاً وبحراً وضحاً وريحاً عن قتادة وسمي تبّعاً لكثرة أتباعه من الناس. وقيل: سمّي تبّعاً لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن والتبايعة اسم ملوك اليمن فتبّع لقب له كما يقال خاقان لملك الترك وقيصر لملك الروم واسمه أسعد أبو كرب وروى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا تسبّوا تبّعاً فإنه كان قد أسلم" " وقال كعب: نعم الرجل الصالح ذمّ الله قومه ولم يذمّه وروى الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (ع) قال: إنّ تبّعاً قال للأوس والخزرج كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه { والذين من قبلهم } يعني من تقدّمهم من قوم نوح وعاد وثمود { أهلكناهم } معناه أنّهم ليسوا بأفضل منهم وقد أهلكناهم بكفرهم وهؤلاء مثلهم بل أولئك كانوا أكثر قوّة وعدداً فإهلاك هؤلاء أيسر { إنّهم كانوا مجرمين } أي كافرين فليحذر هؤلاء أن ينالهم مثل ما نال أولئك.
{ وما خلقنا السّماوات والأرض وما بينهما لاعبين } أي لم نخلق ذلك لا لغرض حكمي بل خلقناهما لغرض حكمي وهو أن ننفع المكلّفين بذلك ونعرضهم للثواب وننفع سائر الحيوانات بضروب المنافع واللذات { وما خلقناهما إلا بالحق } أي إلا بالعلم الداعي إلى خلقهما والعلم لا يدعو إلا إلى الصواب والحق. وقيل: معناه ما خلقناهما إلا للحق وهو الامتحان بالأمر والنهي والتمييز بين المحسن والمسيء لقوله
{ { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا } [النجم: 31] الآية. وقيل: معناه ما خلقناهما إلا على الحق الذي يستحقّ به الحمد خلاف الباطل الذي يستحق به الذم { ولكنّ أكثرهم لا يعلمون } صحّة ما قلناه لعدولهم عن النظر فيه ولا استدلال على صحته.
{ إنّ يوم الفصل ميقاتهم أجمعين } يعني اليوم الذي يفصل فيه بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة. وقيل: معناه يوم الحكم ميقات قوم فرعون وقوم تبع ومَن قبلهم ومشركي قريش وموعدهم.