التفاسير

< >
عرض

فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ
٣١
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل البحث طلب الشيء في التراب ثم يقال: بحثت عن الأمر بحثاً وأصل السوأة التكره. يقال ساءهُ يسوءُهُ سوءاً إذا أتاه بتكرهه. قال سيبويه: الويل كلمة عند الهلكة وعجزت عن الأمر أعجزُ عجزاً ومَعْجَزة ومَعْجِزَةً.
الإعراب: قال الزجاج يا ويلتي الوقف عليها في غير القرآن يا ويلتاه والنداء لغير الآدميين نحو يا حسرتاه ويا ويلتاه إنما وقع في كلام العرب على تنبيه المخاطبين وأن الوقت الذي تدعى له هذه الأشياء هو وقتها فالمعنى { يا ويلتي } تعالي فإنه من أوانك أي قد لزمني الويل وكذلك يا عجباه المعنى يا أيها العجب هذا وقتك هذا على كلام العرب وقرأ الحسن { يا ويلتي } مضافاً وذكر الأزهري أنهما بمعنى.
المعنى: { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه } قالوا: كان هابيل أول ميت من الناس فلذلك لم يدر قابيل كيف يواريه وكيف يدفنه حتى بعث الله غرابين أحدهما حيّ والآخر ميت. وقيل: كانا حيّين فقتل أحدهما صاحبه ثم بحث الأرض ودفنه فيها ففعل قابيل به مثل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة وفي ذلك دلالة على فساد قول الحسن والجبائي وأبي مسلم أن ابني آدم كانا من بني إسرائيل. وقيل: معناه بعث الله غراباً يبحث التراب على القتيل فلما رأى قابيل ما أكرم الله به هابيل وأنه بعث طيراً ليواريه وتقبل قربانه قال: { يا ويلتى } عن الأصم. وقيل: كان ملكاً في صورة الغراب وفي هذا دلالة على أن الفعل من الغراب وإن كان المعني بذلك الطير كان مقصوداً ولذلك أضاف سبحانه بعثه إلى نفسه ولم يقع اتفاقاً كما قاله أبو مسلم ولكنه تعالى ألهمه. وقال الجبائي: كان ذلك معجزاً مثل حديث الهدهد وحمله الكتاب وردّه الجواب إلى سليمان ويجوز أن يزيد الله في فهم الغراب حتى يعرف هذا القدر كما نأمر صبياننا فيفهمون عنّا { ليريه } أي ليري الغراب قابيل { كيف يواري } أي كيف يغطي ويستر { سوأة أخيه } أي عورة أخيه وقال الجبائي يريد جيفة أخيه لأنه كان تركه حتى أنتن فقيل لجيفه سوأة { قال يا ويلتى أعجزت } ههنا حذف فإن التقدير ليريه كيف يواري سوأة أخيه فواراه فقال القاتل أخاه يا ويلتى أعجزت { أن أكون } في هذا العلم { مثل هذا الغراب فأواري } أي استر { سوأة أخي } والسوأة عبارة عما يكره وعما ينكر { فأصبح من النادمين } على قتله ولكن لم يندم على الوجه الذي يكون توبة كمن يندم على الشرب لأنه يصدعه فلذلك لم يقبل ندمه عن الجبائي. وقيل: { من النادمين } على حمله لا على قتله وقيل من { النادمين } على موت أخيه لا على ارتكاب الذنب.
القصة: روت العامة عن جعفر الصادق (ع) قال: قتل قابيل هابيل وتركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فقصده السباع فحمله في جراب على ظهره حتى أروح وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله ثم ألقاه في الحفيرة وواراه وقابيل ينظر إليه فدفن أخاه. وعن ابن عباس قال: لما قتل قابيل هابيل أشاك الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمرَّ الماء واغبرّت الأرض فقال آدم قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول:

تَغَيَّرَتِ البِلادُ وَمَنْ عَلَيْها فَوَجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذي لَوْنٍ وَطَعْمٍ وقَلَّ بشاشَةُ الْوَجْهِ الصبِيحُ

وقال سالم بن أبي الجعد: لما قُتل هابيل مكَث آدم سنة حزيناً لا يضحك ثم أتى آت فقيل له حيَّاك الله وبيَّاك أي: أضحكك قالوا: ولمّا مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيئاً وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابيل وكان وصيّ آدم ووليُّ عهده وأما قابيل فقيل له اذهب طريداً شريداً فزعاً مذعوراً لا يأمن من يراه وذهب إلى عدن من اليمن فأتاه إبليس فقال: إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبدها فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار وهو أول من نصب النار وعبدها واتّخذ أولاده آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنى والفواحش حتى غرقهم الله أيام نوح بالطوفان وبقي نسل شيث.