التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ
٦٥
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
٦٦
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل التكفير التغطية ومنه تَكَفَّر في السلاح والاقتصاد الاستواء في العمل الذي يودي إلى الغرض واشتقاقه من القصد لأَن القاصد إلى ما يعرف مكانه فهو يمرّ على الاستقامة إليه خلاف الطالب المتحير في طلبه.
الإِعراب: ساء ما يعملون يحتمل أن يكون ما مع ما بعدها بمنزلة المصدر ويحتمل أن يكون بمعنى الذي وما بعدها صلة لها والعائد محذوف.
المعنى: { ولو أن أهل الكتاب } يعني اليهود والنصارى { آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم { واتقوا } الكفر والفواحش { لكفرنا عنهم سيئاتهم } أي سترناها عليهم وغفرناها لهم { ولأدخلناهم جنات النعيم } ظاهر المعنى { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } أي عملوا بما فيهما على ما فيهما دون أن يُحرّفوا شيئاً منهما أو يغيّروا أو يبدلوا كما كانوا يفعلونه ويحتمل أن يكون معناه عملوا بما فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم لئلا يزلّوا في شيء من حدودهما { وما أنزل إليهم من ربهم } يريد به القرآن عن ابن عباس واختاره الجبائي. وقيل: المراد به كلما دلَّ الله عليه من أمور الدين.
{ لأكلوا من فوقهم } بإرسال السماء عليهم مدراراً { ومن تحت أرجلهم } بإعطاء الأرض خيرها وبركتها عن ابن عباس وقتادة ومجاهد. وقيل: المراد لأكلوا ثمار النخيل والأشجار من فوقهم والزرع من تحت أرجلهم والمعنى لتركوا في ديارهم ولم يجلوا عن بلادهم ولم يقتلوا فكانوا يتمتعون بأموالهم وزروعهم وثمارهم وما رزقهم الله من النعم وإنما خصَّ سبحانه الأكل لأن ذلك معظم الانتفاع وفي هذا تأسيف لليهود على ما فاتهم واعتداد بسعة ما كانوا فيه من نعم الله عليهم وهو جواب تبخيلهم إياه في قولـهم
{ { يد الله مغلولة } [المائدة: 64] وقيل: إن المعنى في قولـه { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } التوسعة كما يقال: فلان في الخير من قرنه إلى قدمه أي يأتيه الخبر من كل جهة يلتمسه منها ونظير هذه الآية قولـه: { { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } [الجن: 16] { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } [الطلاق: 2] جعل الله تعالى التقوى من أسباب التوسعة في الرزق { منهم أمة مقتصدة } أي من هؤلاء قوم معتدلون في العمل من غير غلو ولا تقصير. قال أبو علي الجبائي: وهم الذين أسلموا منهم وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال مجاهد والسدي وابن زيد وهو المروي في تفسير أهل البيت (ع). وقيل: يريد به النجاشي وأصحابه وقيل: إنهم قوم لم يناصبوا النبي مناصبة هؤلاء حكاه الزجاج ويحتمل أن يكون أراد به من يقرّ منهم بأن المسيح عبد الله ولا يَدّعي فيه الإلهية { وكثير منهم ساء ما يعملون } قبح عملهم أي أكثر هؤلاء اليهود والنصارى يعملون الأعمال السيئة وهم الذين يقيمون على الكفر والجحود بالنبي صلى الله عليه وسلم.