التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨
وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ
٩
وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ
١٠
رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ
١١

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الفروج الشقوق والصدوع وفي الحائط فرجة بضم الفاء فإذا قيل فرجة بفتح الفاء فهو التفصي من الهم قال:

رُبَما تَكْرَهُ النُّفُوس مِنَ الأَمْـرِ لَــهُ فُرْجَـــةٌ كَحَـلِّ الْعِقالِ

أي رب شيء تكرهه النفوس وما ها هنا نكرة موصوفة والفرج موضع المخافة وفي عهد الحجاج: إني وليتك الفرجين يعني خراسان وسجستان والحصيد ما حصد من أنواع النبات والباسقات الطوال وبسق النخل بسوقاً والطلع طلع النخلة سمي بذلك لطلوعه والنضيد ما نضد بعضه على بعض.
الإعراب: كيف يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون مصدراً وما لها من فروج في موضع نصب على الحال تقديره غير مفروجة والأرض منصوبة بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر وتقديره ومددنا الأرض ومددناها تبصرة مفعول له وكذلك ذكرى وحب الحصيد تقديره وحب النبات الحصيد والحصيد صفة لموصوف محذوف وباسقات نصب على الحال وكذلك الجملة التي هي لها طلع نضيد حال بعد حال ورزقاً للعباد مفعول له أي أنبتنا هذه الأشياء لرزق العباد ويجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً أعني المصدر وتقديره رزقناهم رزقاً.
المعنى: ثم أقام سبحانه الدلالة على كونه قادراً على البعث فقال { أفلم ينظروا إلى السمآء فوقهم } أي ألم يتفكروا في بناء السماء مع عظمها وحسن ترتيبها وانتظامها { كيف بنيناها } بغير علاقةُ لا عماد { وزيناها } بالكواكب السيارة والنجوم الثوابت { وما لها من فروج } أي شقوق وفتوق. وقيل: معناه ليس فيها تفاوت واختلاف عن الكسائي وإنما قال فوقهم بنيناها على أنهم يرونها ويشاهدونها ثم لا يتفكرون فيها.
{ والأرض مددناها } أي بسطناها { وألقينا فيها رواسي } أي جبالاً رواسخ تمسكها عن الميدان { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } أي من كل صنف حسن المنظر عن ابن زيد والبهجة الحسن الذي له روعة عند الرؤية كالزهرة والأشجار النضرة والرياض الخضرة وقال الأخفش البهيج الذي من رآه بهج به أي سرّ به فهو بمعنى المبهوج به.
{ تبصرة وذكرى } أي فعلنا ذلك تبصيراً ليبصر به أمر الدين وتذكيراً وتذكراً { لكل عبد منيب } راجع إلى الله تعالى.
{ ونزلنا من السمآء مآء مباركاً } أي مطراً وغيثاً يعظم النفع به { فأنبتنا به } أي بالماء { جنات } أي بساتين فيها أشجار تشتمل على أنواع الفواكه المستلذة { وحب الحصيد } أي حب البر والشعير وكل ما يحصد عن قتادة لأن من شأنه أن يحصد إذا تكامل واستحصد والحب هو الحصيد فهو مثل حق اليقين ومسجد الجامع ونحوهما.
{ والنخل باسقات } أي وأنبتنا به النخل طويلات عليات { لها طلع نضيد } أي لهذه النخل الموصوفة بالعلو طلع نضد بعضه على بعض عن مجاهد وقتادة والطلع الكفريّ وهو أول ما يظهر من ثمر النخل قبل أن ينشق وهو نضيد في أكمامه فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.
{ رزقاً للعباد } أي أنبتنا هذه الأشياء للرزق وكل رزق فهو من الله تعالى بأن يكون قد فعله أو فعل سببه لأنه مما يريده وقد يرزق الواحد منا غيره كما يقال رزق السلطان جنده { وأحيينا به } أي بذلك الماء الذي أنزلناه من السماء { بلدة ميتاً } أي جدبا وقحطاً لا تنبت شيئاً فنبت وعاشت ثم قال { كذلك الخروج } من القبور أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم فإن من قدر على أحدهما قدر على الآخر وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء من حيث إنهم رأوا العادة مستمرة في إحياء الموات من الأرض بنزول المطر ولم تجر العادة بإحياء الموتى من البشر ولو أنعموا الفكر وأمعنوا النظر لعلموا أن من قدر على أحد الأمرين قدر على الآخر.