التفاسير

< >
عرض

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
٤٠
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ
٤١
مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ
٤٢
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ
٤٣
فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٤٦
-الذاريات

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ الكسائي الصعقة والباقون الصاعقة بالألف وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة غير عاصم وقوم نوح بالجر والباقون قوم نوح بالنصب.
الحجة: قال أبو علي قال أبو زيد الصاعقة التي تقع من السماء والصاقعة التي تصقع الرؤوس وقال الأصمعي الصاعقة والصاقعة سواء وأنشد الأصمعي:

يَحْكُونَ بِاْلمَصْقُولَةِ الْقَواطِعِ تَشَقُّــقَ الْبَرْقِ مِـنَ الصَّواقِعِ

وأما الصعقة فقيل إنها مثل الزجرة وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة قال بعض الرجاز:

لاحَ سَحابٌ فَرأَيْنا بَرْقَهُ ثُمَّ تَدانَى فَسَمِعْنا صَعْقَهُ

ومن جرّ قوم نوح حمله على قوله وفي موسى أي أي وفي قوم نوح وقوله وفي موسى إذ أرسلناه عطف على أحد شيئين إما أن يكون على وتركنا فيها آية وفي موسى أو على قوله وفي الأرض آيات للموقنين وفي موسى أي وفي إرسال موسى آيات واضحة وفي قوم نوح آية ومن نصب فقال وقومَ نوح جاز في نصبه أيضاً أمران كلاهما حمل على المعنى أحدهما: أن قوله أخذتهم الصاعقة يدل على أهلكناهم فكأنه قال وأهلكنا قوم نوح والآخر: أن قوله فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم يدل على غرقناهم فكأنه قال أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح.
اللغة: الركن الجانب الذي يعتمد عليه يقال رَكِن يركن ورَكَن يركُن أيضاً مثل نصر ينصر. والمليم الذي أتى بما يلام عليه والملوم الذي وقع به اللوم وفي المثل رب لائم مليم ورب ملوم لا ذنب له والعتو والتجبر والتكبر واحد وجمع الريح أرواح ورياح ومنه راح الرجل إلى منزله أي رجع كالريح والرميم الذي انتفى رمه بانتفاء ملائمة بعضه لبعض وأما رمّه يُرِمّه رمّاً والشيء مرموم أي مصلح بملائمة بعضه لبعض وأصل الرميم السحيق البالي من العظم.
المعنى: ثم بيّن سبحانه ما نزل بالأمم فقال { وفي موسى } أي وفي موسى أيضاً آية { إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين } أي بحجة ظاهرة وهي العصا { فتولى بركنه } أي فأعرض فرعون عن قبول الحق بما كان يتقوى به من جنده وقومه كالركن الذي يقوى به البنيان والباء في قوله بركنه للتعدية أي جعلهم يتولون { وقال } لموسى { ساحر أو مجنون } أي هو ساحر أو مجنون وفي ذلك دلالة على جهل فرعون لأن الساحر اللطيف الحيلة وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين.
{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } أي فطرحناهم في البحر كما يلقى الشيء في البر { وهو مليم } أتى بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتوّ { وفي عاد } عطف على ما تقدم أي وفي عاد أيضاً آية أي دلالة فيها عظة وعبرة { إذ أرسلنا عليهم } أي حين أطلقنا عليهم { الريح العقيم } وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب أو تلقيح شجر أو تذرية طعام أو نفع حيوان فهي كالمرأة الممنوعة عن الولادة إذ هب ريح الإهلاك.
ثم وصفها فقال { ما تذر من شيء أتت عليه } أي لم تترك هذه الريح شيئاً تمر عليه { إلا جعلته كالرميم } أي كالشيء الهالك البالي وهو نبات الأرض إذا يبس وديس. وقيل: الرميم العظم البالي السحيق.
{ وفي ثمود } أيضاً آية { إذ قيل لهم تمتعوا } وذلك أنهم لما عقروا الناقة قال لهم صالح تمتعوا ثلاثة أيام وهو قوله { تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم } أي فخرجوا عن أمر ربهم ترفعاً عنه واستكباراً { فأخذتهم الصاعقة } بعد مضيّ الأيام الثلاثة وهو الموت عن ابن عباس. وقيل: هو العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك عن مقاتل { وهم ينظرون } إليها جهاراً لا يقدرون على دفعها { فما استطاعوا من قيام } أي من نهوض والمعنى أنهم لم ينهضوا من تلك الصرعة { وما كانوا منتصرين } أي ممتنعين من العذاب. وقيل: معناه ما كانوا طالبين ناصراً يمنعهم من عذاب الله.
{ وقوم نوح } أي وأهلكنا قوم نوح من { قبل } أي من قبل عاد وثمود { إنهم كانوا قوماً فاسقين } أي خارجين عن طاعة الله إلى معاصيه وعن الإِيمان إلى الكفر فاستحقوا لذلك الإِهلاك.