التفاسير

< >
عرض

وَٱلطُّورِ
١
وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ
٢
فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ
٣
وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ
٤
وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ
٥
وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ
٦
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ
٧
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
٨
يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً
٩
وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً
١٠
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
١٣
هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
١٤
أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ
١٥
ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٦
-الطور

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: قال المبرد يقال لكل جبل طور فإذا دخلت الألف واللام للمعرفة فهو لشيء بعينه والرقّ جلد يكتب فيه وأصله من اللمعان يقال ترقرق الشيء إذا لمع والرقراق ترقرق السراب والمسجور المملوء يقال سجرت التنور أي ملأتها ناراً وعين سجراء ممتلئة فيها حمرة كأنها احمرت مما هو حولها كالسجار للتنور قال لبيد:

فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّريِّ فَصَدَّعا مَسْجُـــورَةً مُتَجـــاوِراً قُلاَّمُهـــا

والمور تردد الشيء بالذهاب والمجيء كما يتردد الدخان ثم يضمحل مار يمور موراً فهو مائر وروي بيت الأعشى:

كَـــأَنَّ مِشْيَتها مِنْ بَــيْتِ جارَتِها مَوْرُ السَّحابَةِ لا رَيْثُ وَلا عَجَلُ

وقيل مر السحابة والخوض الدخول في الماء بالقدم وشبه به الدخول في القول والدع الدفع يقال دعه يدعّه دعّا وصكّه يصكّه صكّاً مثله.
الإعراب: والطور الواو للقسم وما بعده عطف عليه والعامل في قوله { يوم تمور السمآء موراً } قوله واقع أي يقع في ذلك اليوم ويجوز أن يكون يوم ها هنا على تقدير إذا ويكون العامل فيه جوابه وهو الفاء وما بعده من قوله { فويل يومئذ للمكذبين } كما جاء
{ { ويوم يحشر أعدآء الله إلى النار فهم يوزعون } [فصلت: 19] وقوله { ويوم يدعّون } بدل من قوله { يوم تمور السمآء } وإن شئت كان التقدير فيه يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّاً يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون فيعمل فيه يقال. { أفسحر هذا } مبتدأ وخبر { أم أنتم } أي بل أنتم لا تبصرون.
المعنى: { والطور } أقسم الله سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى (ع) بالأرض المقدسة عن الجبائي وجماعة من المفسرين. وقيل: هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه عن مجاهد والكلبي { وكتاب مسطور } أي مكتوب وهو الكتاب الذي كتبه الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون. وقيل: هو القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ وهو الرق المنشور. وقيل: هو صحائف الأعمال التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة فمنهم آخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله وهذا كقوله
{ { ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } [الإسراء: 13] عن الفراء. وقيل: هو التوراة كتبها الله لموسى فخص الطور بالذكر لبركتها وكثرة منافعها في الدنيا وذكر الكتاب لعظم موقعها من الدين عن الكلبي. وقيل: إنه القرآن يكتبه المؤمنون.
{ في رق منشور } أي وينشرونه لقراءته والرق ما يكتب فيه. وقيل: الرق هو الورق عن أبي عبيدة. وقيل: إنما ذكر الرق لأنه من أحسن ما يكتب فيه وإذا كتبت الحكمة فيما هو على هذه الصفة كان أبهى والمنشور المبسوط.
{ والبيت المعمور } وهو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة عن ابن عباس ومجاهد وروي أيضاً عن أمير المؤمنين (ع) قال: ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبداً وروي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"البيت المعمور في السماء الدنيا وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل كل يوم طلعت فيه الشمس وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكاً يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلّون فيه فيفعلون ثم لا يعودون إليه أبداً" .
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيت الذي في السماء الدنيا يقال له الضراح وهو بفناء البيت الحرام لو سقط سقط عليه يدخله كل يوم ألف ملك لا يعودون إليه أبداً" . وقيل: البيت المعمور هو الكعبة البيت الحرام معمور بالحج والعمرة عن الحسن وهو أول مسجد وضع للعبادة في الأرض.
{ والسقف المرفوع } هو السماء عن علي (ع) ومجاهد وقتادة وابن زيد قالوا هي كالسقف للأرض رفعها الله { والبحر المسجور } أي المملوء عن قتادة. وقيل: هو الموقد المحمى بمنزلة التنور عن مجاهد والضحاك والأخفش وابن زيد ثم قيل إنه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيراناً ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار ورد به الحديث.
{ إن عذاب ربك لواقع } هذا جواب القسم أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم القدرة على أن تعذيب المشركين حق واقع لا محالة { ما له من دافع } يدفع عنهم ذلك العذاب.
ثم بين سبحانه أنه متى يقع فقال { يوم تمور السمآء موراً } أي تدور دوراناً وتضطرب وتموج وتتحرك وتستدير كل هذه من عبارات المفسرين { وتسير الجبال سيراً } أي تسير الجبال وتزول من أماكنها حتى تستوي الأرض { فويل يومئذ للمكذبين } دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان هذا فويل لمن يكذب الله ورسوله.
{ الذين هم في خوض } أي في حديث باطل يخوضون وهو الحديث الذي كان يخوض فيه الكفار من إنكار البعث وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم { يلعبون } أي يلهون بذكره { يوم يدعون } أي يدفعون { إلى نار جهنم دعا } أي دفعاً بعنف وجفوة قال مقاتل: هو أن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم دفعاً على وجوههم حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها { هذه النار التي كنتم بها تكذبون } في الدنيا.
ثم وبخهم لما عاينوا بما كانوا يكذبون به وهو قوله { أفسحر هذا } الذي ترون أنتم { أم أنتم لا تبصرون } وذلك أنهم كانوا ينسبون محمداً صلى الله عليه وسلم إلى السحر وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب وبخوا بهذا ثم يقال لهم { اصلوها } أي قاسوا شدتها { فاصبروا } على العذاب { أو لا تصبروا } عليه { سوآء عليكم } الصبر والجزع { إنما تجزون ما كنتم تعملون } في الدنيا من المعاصي بكفركم وتكذيبكم الرسول.