القراءة: قرأ ابن عامر { ءَإِذا متنا } بهمزتين { أئنا لمبعوثون } بهمزتين أيضاً ولم يجمع بين استفهامين إلا في هذا الموضع من القرآن وقد ذكرنا مذهب غيره من القراء فيما تقدم ومذهبه أيضاً في أمثاله وقرأ أهل المدينة وعاصم وحمزة شرب الهيم بضم إلشين والباقون بفتحها.
الحجة: قالى أبو علي: إن ألحق ألف الاستفهام في قوله { أئنا } أو لم تلحق كان إذا متعلقاً بشيء دل عليه قوله { أإنا لمبعوثون } ألا ترى إذا ظرف من الزمان فلا بد له من فعل أو معنى فعل يتعلق به ولا يجوز أن يتعلق بقوله { متنا } لأنه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا لم يجز حمله على هذا الفعل ولا على ما بعد أن من حيث لم يعمل ما بعد أن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد لا فيما قبلها فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله علمت أنه يتعلق بشيء دل عليه قوله { أئنا لمبعوثون } وذلك نحشر أو نبعث ونحوهما مما يدل عليه هذا الكلام وأما الشرب فهو نحو الأكل والضرب والشرب كالشغل والنكر وأما الشرب فالمشروب كالطحن ونحوه وقد يكون الشرب جمع شارب مثل راكب ورَكْب وتاجر وتَجْر وراجل ورجل.
اللغة: السموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن ومسام البدن خروقه ومنه أخذ السم الذي يدخل في المسام واليحموم الأسود الشديد السواد باحتراق النار وهو يفعول من الحم وهو الشحم المسود باحتراق النار يقال حممت الرجل إذا سخمت وجهه بالفحم والمترف الممتنع من أداء الواجبات طلباً للترفه وهي الرفاهية والنعمة والحنث نقض العهد المؤكد بالحلف والهيم الإبل العطاش التي لا تروى من الماء لداء يصيبها والواحد أهيم والأنثى هيماء.
المعنى: ثم ذكر سبحانه أصحاب الشمال فقال { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال } وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنم أو الذين يأخذون كتبهم بشمالهم أو الذين يلزمهم حال الشؤم والنكد { في سموم وحميم } أي في ريح حارة تدخل مسامهم وخروقهم وفي ماء مغلي حار انتهت حرارته { وظل من يحموم } أي دخان أسود شديد السواد عن ابن عباس وأبي مالك ومجاهد وقتادة. وقيل: اليحموم جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله.
ثم نعت ذلك الظل فقال { لا بارد ولا كريم } أي لا بارد المنزل ولا كريم المنظر عن قتادة. وقيل: لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم ولا كريم فيشتهى مثله. وقيل: ولا كريم أي ولا منفعة فيه بوجه من الوجوه والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شيء نفت عنه الكرم. وقال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه وصفاً تنوي به الذم تقول ما هو بسمين ولا كريم وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال { إنهم كانوا قبل ذلك مترفين } أي كانوا في الدنيا متنعمين عن ابن عباس وذلك أن عذاب المترف أشد ألماً وبيّن سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار وشغلهم عن الاعتبار وكانوا بتركون الواجبات طلباً لراحة أبدانهم.
{ وكانوا يصرون على الحنث العظيم } أي الذنب العظيم عن مجاهد وقتادة والإصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه ولا يتوب منه. وقيل: الحنث العظيم الشرك أي لا يتوبون عنه عن الحسن والضحاك وابن زيد. وقيل: كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت وإن الأصنام أنداد الله عن الشعبي والأصم.
{ وكانوا يقولون ءإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } أي ينكرون البعث والنشور والثواب والعقاب فيقولون مستبعدين لذلك منكرين له ءإذا خرجنا من كوننا أحياء وصرنا تراباً أنبعث { أو آباؤنا الأولون } أي أو يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا ويحشرون إن هذا لبعيد ومن قرأ أو آباؤنا بفتح الواو فإنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام.
{ قل } يا محمد لهم { إن الأولين والآخرين } أي الذين تقدموكم من آبائكم وغير آبائكم والذين يتأخرون عن زمانكم { لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم } يجمعهم الله ويبعثهم ويحشرهم إلى وقت يوم معلوم عنده وهو يوم القيامة.
{ ثم إنكم أيها الضالون } الذين ضللتم عن طريق الحق وجزتم عن الهدى { المكذبون } بتوحيد الله وإخلاص العبادة له ونبوة نبيه { لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون } مفسر في سورة الصافات { فشاربون عليه من الحميم } الشجر يؤنث ويذكر فلذلك قال: منها ثم قال: عليه وكذلك الثمر يؤنث ويذكر { فشاربون شرب الهيم } أي كشرب الهيم وهي الإبل التي أصابها الهيام وهو شدة العطش فلا تزال تشرب الماء حتى تموت عن ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقيل: هي الأرض الرملية التي لا تروى بالماء عن الضحاك وابن عيينة { هذا نزلهم يوم الدين } النزل الأمر الذي ينزل عليه صاحبه والمعنى هذا طعامهم وشرابهم يوم الجزاء في جهنم.