التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٨٨
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
٨٩
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ
٩٢
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
٩٣
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
٩٤
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ يعقوب فروح بضم الراء وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وأبي جعفر الباقر وقتادة والحسن والضحاك وجماعة والباقون { فروح } بفتح الراء.
الحجة: قال ابن جني: هو راجع إلى معنى الروح فكأنه قال: فتمسك روح وممسكها هو الروح وكما تقول هذا الهواء هو الحياة وهذا السماع هو العيش وهو الروح.
الإعراب: { وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين } قال علي بن عيسى: دخلت كاف الخطاب كما تدخل في ناهيك به شرفاً وحسبك به كرماً أي لا تطلب زيادة على جلالة حاله فكذلك سلام لك منهم أي لا تطلب زيادة على سلامهم جلالة وعظم منزلة قال ابن جني: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير مهما يكن من شيء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين ولا ينبغي أن يكون موضع إن كان إلا هذا الموضع لأنه لو كان موضعه بعد الفاء يليها لكان قوله فسلام لك جواباً له في اللفظ لا في المعنى.
ولو كان جواباً في اللفظ لوجب إدخال الفاء عليه لأنه لا يجوز في سعة الكلام إن كان من أصحاب اليمين سلام له فلما وجد الفاء فيه ثبت أنه ليس بجواب لقوله إن كان في اللفظ وإذا ثبت أنه ليس بجواب له في اللفظ ثبت أن موقع إن كان بعده لا قبله قال: فإن قيل إنما بدل الفاء التي تكون جواباً لقوله إن كان لأجل الفاء التي تدخل جواباً لأما لأنه لا يدخل حرف معنى على مثله قبل إنما الفاء التي لأما عليه لأنه ليس بجواب لقوله إن كان فلو كان جواباً له لما دخلت عليه هذه الفاء في قوله فأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك على أن فاء أما قد يكون موقعه بعد الفاء لا يليها وأما لها موضعان من الكلام.
أحدهما: أن يكون لتفصيل الجمل نحو قولك جاءني القوم جاءني فأما زيد فأكرمته وأما عمرو فأهنته ومنه ما في الآية.
والثاني: أن تكون مركبة من أن وما قولك أما أنت منطلقاً انطلقت معك والمعنى إن كنت منطلقاً معك فموضع أن نصب لأنه مفعول له وأنشد سيبويه:

أَبــا خُراشَةَ أَما أَنْتَ ذا نَفَرٍ فإنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

أي من أجل أن كنت والضبع السنة الشديدة.
المعنى: ثم ذكر سبحانه صفات الخلق عند الموت فقال: { فأما إن كان من المقربين } أي فإن كان ذلك المحتضر الذي بلغت روحه الحلقوم من المقربين عند الله وهم السابقون الذين ذكروا في أول السورة { فروح } أي فله روح وهو الراحة والاستراحة عن ابن عباس ومجاهد يعني من تكاليف الدنيا ومشاقها. وقيل: والروح: الهواء الذي تستلذه النفس ويزيل عنها الهم { وريحان } يعني الرزق في الجنة. وقيل: هو الريحان المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه عن الحسن وأبي العالية وقتادة. وقيل: الروح الرحمة والريحان كل نباهة وشرف. وقيل: الروح النجاة من النار والريحان الدخول في دار القرار. وقيل: روح في القبر وريحان في الجنة. وقيل: روح في القبر وريحان في القيامة { وجنة نعيم } يدخلونها.
{ وأما إن كان من أصحاب اليمين } أي إن كان المتوفى من أصحاب اليمين { فسلام لك من أصحاب اليمين } أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلامة من المكاره والخوف. وقيل: معناه فسلام لك أيها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب الله وسلمت عليك ملائكة الله عن قتادة قال الفراء: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين فحذف أنك. وقيل: معناه فسلام لك منهم في الجنة لأنهم يكونون معك ويكون لك بكمعنى عليك.
سؤال: يقال: لمَ يتبرك باليمين.
والجواب: إن العمل ميسر بها لأن الشمال معسر العمل بها من نحو الكتابة والأعمال الدقيقة { وأما إن كان من المكذبين } بالبعث والرسل وآيات الله { الضالين } عن الهدى الذاهبين عن الصواب والحق { فنزل من حميم } أي فنزلهم الذي أعد لهم من الطعام والشراب من حميم جهنم { وتصلية جحيم } أي إدخال نار عظيمة كما قال: ويصلى سعيراً في قراءة من شدد.
{ إن هذا لهو حق اليقين } أضاف الحق إلى اليقين وهما واحد للتأكيد أي هذا الذي أخبرتك به من منازل هؤلاء الأصناف الثلاثة هو الحق الذي لا شك فيه واليقين الذي لا شبهة معه. وقيل: تقديره حق الأمر اليقين { فسبح باسم ربك العظيم } أي نزه الله سبحانه عن السوء والشرك وعظمه بحسن الثناء عليه. وقيل: معناه نزه اسمه عما لا يليق به فلا تضف إليه صفة نقص أو عملاً قبيحاً. وقيل: معناه قولوا سبحان ربي العظيم والعظيم في صفة الله تعالى معناه أن كل شيء سواه يقصر عنه فإنه القادر العالم الغني الذي لا يساويه شيء ولا يخفى عليه شيء جلت آلاؤه وتقدست أسماؤه.