التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١١
لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١٢
لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
١٣
لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
١٤
كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٥
-الحشر

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو من وراء جدار على التوحيد والباقون من وواء جدر على الجمع وفي الشواذ قراءة أبي رجاء وأبي حية جدر بسكون الدال.
الحجة: قال أبو علي: المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون معكم للقتال ولا يبرزون لكم ولا يقاتلونكم حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور فإذا كان كذلك فالمعنى على الجمع إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونهم من وراء جدار واحد ولكن من وراء جدر كما لا يقاتلونكم إلا في قرىء محصنة فكما أن القرى جماعة كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعاً فكان المراد في الإفراد الجمع لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد قال ابن جني: ويجوز أن يكون جدار تكسير جدار فتكون ألف جدار في الواحد كألف كتاب وفى الجمع كألف ضرام وكرام ومثله ناقة هجان ونوق هجان ودرع دلاص وأدرع دلاص قال: ومثله قوله سبحانه
{ { واجعلنا للمتقيق إماماً } [الفرقان: 74] بكون إمام على ما شرحناه.
الإعراب: { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله } أي من رهبتهم من الله فحذف. { كمثل الذين من قبلهم } أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم فحذف المبتدأ وكذلك قوله { كمثل الشيطان }
المعنى: لما وصف سبحانه المهاجرين الذين هاجروا الديار والأوطان ثم مدح الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان ثم ذكر التابعين بإحسان وما يستحقونه من النعيم في الجنان عقب ذلك بذكر المنافقين وما أسرّوه من الكفر والعصيان فقال: { ألم تر } يا محمد { إلى الذين نافقو } فأبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان { يقولون لإخوانهم } في الكفر { الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني يهود بني النضير { لئن أخرجتم } من دياركم وبلادكم { لنخرجن معكم } مساعدين لكم { ولا نطيع فيكم } أي في قتالكم ومخاصمتكم { أحداً أبداً } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووعدوهم النصر بقولهم { وإن قوتلتم لننصرنكم } أي لندفعن عنكم.
ثم كذّبهم الله في ذلك بقوله { والله يشهد أنهم لكاذبون } فيما يقولونه من الخروج معهم والدفاع عنهم.
ثم أخبر سبحانه أنهم يخلفونهم ما وعدوه من النصر والخروج بقوله { لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم } أي ولئن قدّر وجود نصرهم لأن ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده { ليولنّ الأدبار } أي ينهزمون ويسلمونهم. وقيل: معناه لئن نصرهم من يفي منهم لولوا الأدبار فعلى هذا لا تنافي بين قوله { لا ينصرونهم } وقوله { لئن نصروهم } فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية عما لا يكون منهم إن لو كان كيف كان يكون { ثم لا ينصرون } أي ولو كان لهم هذه القوة وفعلوا لم ينتفع أولئك بنصرتهم نزلت الآية قبل إخراج بني النضير وأخرجوا بعد ذلك وقوتلوا فلم يخرج معهم منافق ولم ينصروهم كما أخبر الله تعالى بذلك. وقيل: أراد بقوله { لإخوانهم } بني النضير وبني قريظة فأخرج بنو النضير ولم يخرجوا معهم وقوتل بنو قريظة فلم ينصروهم.
ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال { لأنتم أشد رهبة } أي خوفاً { في صدورهم } أي في قلوب هؤلاء المنافقين { من الله } المعنى أن خوفهم منكم أشد من خوفهم من الله لأنهم يشاهدونكم ويعرفونكم ولا يعرفون الله وهو قوله { ذلك بأنهم قوم لا يفقهون } الحق ولا يعلمون عظمة الله وشدة عقابه.
{ لا يقاتلونكم } معاشر المؤمنين { جميعاً إلا في قرى محصنة } أي ممتنعة حصينة المعنى أنهم لا يبرزون لحربكم وإنما يقاتلونكم متحصنين بالقرى { أو من ورآء جدر } أي يرمونكم من وراء الجدران بالنبل والحجر { بأسهم بينهم شديد } أي عداوة بعضهم لبعض شديدة يعني أنهم ليسوا بمتفقي القلوب. وقيل: معناه قوتهم فيما بينهم شديدة فإذا لاقوكم جبنوا ويفزعون منكم بما قذف الله في قلوبهم من الرعب { تحسبهم جميعاً } أي مجتمعين في الظاهر { وقلوبهم شتى } أي مختلفة متفرقة خذلهم الله باختلاف كلمتهم. وقيل: إنه عنى بذلك قلوب المنافقين وأهل الكتاب عن مجاهد { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } ما فيه الرشد مما فيه الغي وإنما كان قلوب من يعمل بخلاف العقل شتى لاختلاف دواعيهم وأهوائهم وداعي الحق واحد وهو العقل الذي يدعو إلى طاعة الله والإحسان في الفعل.
{ كمثل الذين من قبلهم قريباً } أي مثلهم في اغترارهم بعددهم وبقوتهم وبقول المنافقين كمثل الذين من قبلهم يعني المشركين الذين قتلوا ببدر وذلك قبل غزاة بني النضير لستة أشهر عن الزهري وغيره. وقيل: إن الذين من قبلهم قريباً هم بنو قينقاع عن ابن عباس وذلك أنهم نقضوا العهد مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا وقال عبد الله بن ابن أُبيّ: لا تخرجوا فإني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأكلمه فيكم أو أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء أيضاً في إرسال عبد الله بن أُبيّ إليهم ثم ترك نصرتهم كأولئك { ذاقوا وبال أمرهم } أي عقوبة كفرهم { ولهم عذاب أليم } في الآخرة.