التفاسير

< >
عرض

كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١٩
لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
٢٠
-الحشر

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل غد غدو إلا أنه لم يأت في القرآن إلا محذوف الواو وجاء في الشعر بحذف الواو وإثباتها:

وَما النَّاسُ إلاَّ كالدِّيارِ وأَهْلُها بِهــا يَـوْمَ حَلُّوها وَغَدواً بلاقِعُ

وقال آخر:

لا تَقْلُواها وَادْلُواها دَلْوا إنَّ مَعَ الْيَوْمِ أَخاها غَدْوا

المعنى: ثم ضرب سبحانه لليهود والمنافقين مثلاً فقال { كمثل الشيطان } أي مثل المنافقين في غرورهم لبني النضير وخذلانهم إياهم كمثل الشيطان { إذ قال للإنسان اكفر } وهو عابد بني إسرائيل عن ابن عباس قال: إنه كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد الله زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرؤون على يده وأنه أتي بامرأة في شرف قد جنت وكان لها إخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت فلما استبان حملها قتلها ودفنها فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا ثم أتى بقية إخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقر لهم بالذي فعل فأمر به فصلب فلما رفع على خشبته تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلصك مما أنت فيه قال: نعم قال: اسجد لي سجدة واحدة فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة فقال: أكتفي منك بالإيماء فأومى له بالسجود فكفر بالله وقتل الرجل فهو قوله { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك }.
ضرب الله هذه القصة لبني النضير حين اغتروا بالمنافقين ثم تبرأوا منهم عند الشدة وأسلموهم. وقيل: أراد { كمثل الشيطان } يوم بدر إذ دعا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى الملائكة رجع القهقهرى وقال: إني أخاف الله. وقيل: أراد بالشيطان والإنسان اسم الجنس لا المعهود فإن الشيطان أبداً يدعو الإنسان إلى الكفر ثم يتبرأ منه وقت الحاجة عن مجاهد وإنما يقول الشيطان { إني أخاف الله رب العالمين } يوم القيامة.
ثم ذكر سبحانه أنهما صارا إلى النار بقوله { فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها } يعني عاقبة الفريقين الداعي والمدعو من الشيطان ومن أغواه من المنافقين واليهود أنهما معذبان في النار { وذلك جزاء الظالمين } أي وذلك جزاؤهم.
ثم رجع إلى موعظة المؤمنين فقال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } يعني ليوم القيامة والمعنى لينظر كل امرئ ما الذي قدمه لنفسه أعملاً صالحاً ينجيه أم سيئاً يوبقه ويرديه فإنه وارد عليه قال قتادة: إن ربكم قرّب الساعة حتى جعلها كغد وأمركم بالتدبر والتفكر فيما قدمتم.
{ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } إنما كرر الأمر بالتقوى لأن الأولى للتوبة عما مضى من الذنوب والثانية لاتقاء المعاصي في المستقبل. وقيل: إن الثانية تأكيد للأولى.
{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله } أي تركوا أداء حق الله { فأنساهم أنفسهم } بأن حرمهم حظوظهم من الخير والثواب. وقيل: نسوا الله بترك ذكره بالشكر والتعظيم فأنساهم أنفسهم بالعذاب الذي نسي به بعضهم بعضاً كما قال: فسلموا على أنفسكم أي ليسلم بعضكم على بعض عن الجبائي ويريد به بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع عن ابن عباس { أولئك هم الفاسقون } الذين خرجوا من طاعة الله إلى معصيته.
{ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } أي لا يتساويان لأن هؤلاء يستحقون النار وأولئك يستحقون الجنة { أصحاب الجنة هم الفائزون } بثواب الله الظافرون بطلبتهم.