التفاسير

< >
عرض

لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ
٢٢
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٢٣
هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٤
-الحشر

مجمع البيان في تفسير القرآن

فضلها: عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ آخر سورة الحشر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً ومن قاله حين يمسي كان بتلك المنزلة" .
"وعن أبي هريرة قال: سألت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم فقال: عليك بآخر سورة الحشر وأكثر قراءتها فأعدت عليه فأعاد عليّ" وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض في ذلك اليوم أو الليلة فقد أوجبت له الجنة" وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ لو أنزلنا هذا القرآن إلى آخرها فمات من ليلته مات شهيداً" .
اللغة: التصدع التفرق بعد التلاؤم ومثله التفطر يقال: صدعه يصدعه صدعاً ومنه الصداع في الرأس والقدوس المعظم بتطهير صفاته من أن تدخلها صفة نقص قال ابن جني: ذكر سيبويه في الصفة السبوح والقدوس بالضم والفتح وإنما باب الفعّول الاسم كشُبُّوط وسمّور وتنّور وسفّود والمهيمن أصله مئيمن على مفيعل من الأمانة فقلبت الهمزة هاء فخم اللفظ بها لتفخيم المعنى.
المعنى: ثم عظّم سبحانه حال القرآن فقال { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } تقديره لو كان الجبل مما ينزل عليه القرآن ويشعر به مع غلظه وجفاء طبعه وكبر جسمه لخشع لمنزله وتصدع من خشية الله تعظيماً لشأنه فالإنسان أحق بهذا لو عقل الأحكام التي فيه. وقيل: معناه لو كان الكلام ببلاغته يصدع الجبل لكان هذا القرآن يصدعه. وقيل: إن المراد به ما يقتضيه الظاهر بدلالة قوله
{ { وإن منها لما يهبط من خشية الله } [البقرة: 74] وهذا وصف للكافر بالقسوة حيث لم يلن قلبه لمواعظ القرآن الذي لو نزل على جبل لتخشع ويدل على أن هذا تمثيل قوله { وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } أي لا ليتفكروا ويعتبروا.
ثم أخبر سبحانه بربوبيته وعظمته فقال { هو الله الذي لا إله إلا هو } أي هو المستحق للعبادة الذي لا تحق العبادة إلا له { عالم الغيب والشهادة } أي عالم بما يشاهده العباد وعالم بما يغيب عنهم علمه. وقيل: عالم الغيب معناه عالم بما لا يقع عليه الحس من المعدوم والموجود الذي لا يدرك مما هو غائب عن الحواس كأفعال القلوب وغيرها والشهادة أي عالم بما يصح عليه الإدراك بالحواس. وقيل: معناه عالم السر والعلانية عن الحسن وفي هذا وصفه سبحانه بأنه عالم بجميع المعلومات لأنها لا تعدو هذين القسمين وعن أبي جعفر (ع) قال: الغيب ما لم يكن والشهادة ما كان.
{ هو الرحمن } أي المنعم على جميع خلقه { الرحيم } بالمؤمنين.
ثم أعاد سبحانه قوله { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك } يعني السيد المالك لجميع الأشياء الذي له التصرف فيها على وجه ليس لأحد منعه منه. وقيل: هو الواسع القدرة { القدوس } أي الطاهر من كل عيب ونقص وآفة المنزه عن القبائح. وقيل: هو المطهر عن الشريك والولد لا يوصف بصفات الأجسام ولا بالتجزئة والانقسام. وقيل: هو المبارك الذي تنزل البركات من عنده عن الحسن { السلام } أي الذي سلم عباده من ظلمه. وقيل: هو المسلم من كل عيب ونقص وآفة. وقيل: هو الذي من عنده ترجى السلامة عن الجبائي وهو اسم من السلامة وأصله مصدر فهو مثل الجلال والجلالة { المؤمن } الذي أمن خلقه من ظلمه لهم إذ قال لا يظلم مثقال ذرة عن ابن عباس. وقيل: الذي آمن بنفسه قبل إيمان خلقه به عن الحسن وأشار إلى قوله { شهد الله أنه لا إله إلا هو } الآية والمعنى أنه بيّن لخلقه توحيده وإلهيته بما أقام لهم من الدلائل. وقيل: معناه المصدق لما وعد المحقق له كالمؤمن الذي يصدق قوله فعله. وقيل: هو الذي أمن أولياؤه عذابه. وقيل: هو الداعي إلى الإيمان الآمر به الموجب لأهله اسمه عن أبي مسلم.
{ المهيمن } أي الأمين حتى لا يضيع لأحد عنده حق عن ابن عباس والضحاك والجبائي. وقيل: هو الشاهد عن مجاهد وقتادة كأنه شهيد على إيمان من آمن به. وقيل: هو المؤمن في المعنى لأن أصله المؤيمن إلا أنه أشد مبالغة في الصفة. وقيل: هو الرقيب على الشيء يقال: هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيباً على الشيء.
{ العزيز } أي القادر الذي لا يصح عليه القهر. وقيل: هو المنيع الذي لا يرام ولا يمتنع عليه مرام.
{ الجبار } وهو العظيم الشأن في الملك والسلطان ولا يستحق أن يوصف به على هذا الإطلاق إلا الله تعالى فإن وصف به العباد فإنما يوضع اللفظ في غير موضعه ويكون ذماً. وقيل: هو الذي يذل له من دونه ولا تناله يد. وقيل: هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراد عن السدي ومقاتل وهو اختيار الزجاج فيكون من جَبَره على كذا إذا أكرهه. وقيل: هو الذي يجبر الفقير من قولهم جبر الكسير إذا أصلحه عن واصل بن عطاء.
{ المتكبر } أي المستحق لصفات التعظيم. وقيل: هو الذي يكبر عن كل سوء عن قتادة. وقيل: هو المتعالي عن صفات المحدثين المتعظم عما لا يليق به.
{ سبحان الله عما يشركون } أي تنزيهاً له عما يشرك به المشركون من الأصنام وغيرها { هو الله الخالق } للأجسام والأعراض المخصوصة. وقيل: المقدر للأشياء بحكمته المحدث للأشياء على إرادته { البارئ } المنشئ للخلق الفاعل للأجسام والأعراض { المصور } الذي صور الأجسام على اختلافها مثل الحيوان والجماد { له الأسمآء الحسنى } نحو الله الرحمن الرحيم القادر العالم الحي وقد مر بيانه في سورة الأعراف.
{ يسبح له ما في السماوات والأرض } أي ينزهه جميع الأشياء فالحي يصفه بالتنزيه والجماد يدل على تنزيهه { وهو العزيز الحكيم } وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول صلى الله عليه وسلم:
"اسم الله الأعظم في ست آيات في آخر سورة الحشر" .