التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة والكسائي ها هنا وفي الروم فارقوا بالألف وهو المروي عن عليّ (ع) والباقون فرَّقوا بالتشديد.
الحجة: قال أبو علي: من قرأ فرَّقوا فتقديره يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما قال
{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [البقرة: 85] وقال ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ومن قرأ فارقوا دينهم فالمعنى باينوه وخرجوا عنه وهو يؤول إلى معنى فرَّقوا ألا ترى أنهم لما آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه فارقوه كله فخرجوا عنه ولم يتّبعوه.
اللغة: الشيع الفرق التي يمالىء بعضهم بعضاً على أمر واحد مع اختلافهم في غيره. وقيل: إن أصله من الظهور يقال شاع الخبر يشيع شيوعاً ظهر وشيَّعت النار إذا ألقيت عليها الحطب فكأنك تظهرها وقال الزجاج: أصله الاتباع يقال شاعكم السلام وأشاعكم السلام أي تبعكم السلام قال:

أَلا يا نَخْلَةً مِنْ ذاتِ عِـــرْقٍ بُروُد الظِلِّ شاعَكُمُ السّلاَمُ

ويقول آتيك غداً أو شيعه أي أو اليوم الذي تتبعه فمعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً قال الكميت.

وَما لِيَ إلاَّ آلَ أَحْمَــدَ شيعَةٌ وَما لِيَ إلاَّ مَشْعَبُ الحَقِّ مَشْعَبُ

المعنى: ثم عطف سبحانه على ما قدَّمه من الوعيد فقال { إن الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً } اختلف في المعنييّن بهذه الآية على أقوال أحدها: أنهم الكفار وأصناف المشركين عن السدي والحسن ونسختها آية السيف وثانيها: أنهم اليهود والنصارى لأَنهم يكفر بعضهم بعضاً عن قتادة وثالثها: أنهم أهل الضلالة وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الأَمة رواه أبو هريرة وعائشة مرفوعاً وهو المروي عن الباقر (ع) جعلوا دين الله أدياناً لإِكفار بعضهم بعضاً وصاروا أحزاباً وفرقاً.
{ لست منهم في شيء } هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وإعلام له أنه ليس منهم في شيء وأنه على المباعدة التامة من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة وليس كذلك بعضهم مع بعض لأَنهم يجتمعون في معنى من المعاني الباطلة وإن افترقوا في غيره فليس منهم في شيء لأَنه برىء من جميعه.
وقيل: إن معناه لست من مخالطتهم في شيء وإنما هو نهي النبي من مقاربتهم وأمر له بمباعدتهم عن قتادة. وقيل: معناه لست من قتالهم في شيء ثم نسختها آية القتال عن الكلبي والحسن { إنما أمرهم إلى الله } في مجازاتهم على سوء أفعالهم. وقيل: أمرهم في الإِنظار والاستئصال إلى الله. وقيل: الحكم بينهم في اختلافهم إلى الله { ثم ينبُّئهم } أي يخبرهم ويجازيهم { بما كانوا يفعلون } يوم القيامة فيظهر المحق من المبطل.