التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
٤٦
قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٤٧
وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٤٨
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
٤٩
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: صدف عن الشيء صدوفاً إذا مال عنه والصَدفَ والصَدفَة الجانب والناحية والصَدفَ كل بناء مرتفع وفي الحديث كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بصَدفَ مائل أسرع المشي.
الإِعراب: من إله مبتدأ وخبر وغير صفة إله وهذه الجملة في موضع مفعولي أرأيتم ومن استفهام علق الفعل الذي هو أرأيتم فلم يعمل في مفعوليه لفظاً وقولـه { إن أخذ الله سمعكم } جوابه محذوف وتقديره فمن يأتيكم به إلا أنه أغنى عنه قولـه { من إله غير الله يأتيكم به } الذي هو مفعول أرأيتم في المعنى وموضع الشرط وجوابه نصب على الحال كما تقول لأضربنه إن ذهب أو مكث فإن قولك إن ذهب أو مكث وقع موقع ذاهباً أو ماكثاً وتقديره مقّدراً ذهابه أو مكثه ويدل على أنه في موضع الحال مشابهته المفرد في أنه لا يستقل بنفسه كما تستقل الجمل وإن كان جملة في المعنى فإنه بدخول حرف الشرط قد صار بمنزلة المفرد في الحاجة إلى ما يستند إليه كما أحتاج المفرد ويدل على قوة اتصاله بما قبله حاجته إلى ما قبله كما أحتاج ما وقع موقعه إلى ما قبله وليس شيء من الفضلات يقع من الجملة موقعه غير الحال فثبت أنه في موضع منصوب هو حال فإن قيل إن الجزاء مقدَّر والشرط المذكور في اللفظ مع الجزاء كلام مستقل وإنما كان هذا الاستدلال يسوغ لو كان الجزاء غير مقدّر قيل الجزاء وإن كان مقدّراً لا حكم له لأنه لا يجوز إظهاره وإنما هو شيء يثبت من جهة التقدير فضعف أمره ولو جاز إظهاره لكان في موضع الحال وهذا مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي ذكره في القصريات مع كلام كثير في معناه قد دقق فيه ولم يسبق إليه وقولـه: { يأتيكم به } في موضع رفع بأنه صفة إله.
المعنى: ثُمّ زاد سبحانه في الاحتجاج عليهم فقال: { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } أي ذهب بهما فصِرتم صُمّاً عُمْياً { وختم على قلوبكم } أي طبع عليها. وقيل: ذهب بعقولكم وسلب عنكم التمييز حتى لا تفهمون شيئاً وإنما خصّ هذه الأشياء بالذكر لأن بها تتم النعمة ديناً ودنيا.
{ من إله غير الله يأتيكم به } قال الزجاج: هذه الهاء تعود إلى معنى الفعل، المعنى من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم قال ويجوز أن يكون عائداً إلى السمع ويكون ما عطف على السمع داخلاً في القصة معه إذا كان معطوفاً عليه قال ابن عباس: يريد لا يقدر هؤلاء الذين يعبدون أن يجعلوا لكم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً تعقلون بها وتفهمون أي إن أخذها الله منكم فمن يردّها عليكم بَيَّن سبحانه بهذا أنه كما لا يقدر على ذلك غير الله فكذلك يجب أن لا تعبدوا سواه:
{ انظر كيف نصرّف الآيات } أي نُبيّن لهم في القرآن الآيات عن الكلبي. وقيل: تصريف الآيات توجيهها في الجهات التي يظهرها أتّم الإظهار ومرة في جهة النعمة ومرة في جهة الشدة. وقيل: تصريف الآيات إحداثها دالة على وجوه كما أن الآية المعجزة تدل على فاعلها وعلى قدرته وعلمه وعلى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه { ثم هم } أي الكفار { يصدفون } أي يُعرضون عن تأمل الآيات والفكر فيها. وقيل: إعراضهم عنها كفرهم بها وإنما قال انظر لأنه تعالى عجب أولاً من تتابع نعمه عليهم وضروب دلائله من تصريف الآيات وأسباب الاعتبار ثم عجب ثانياً من إعراضهم عنها.
ثم زاد تعالى في الحجاج فقال: { قل أرأيتكم } أي أعلمتم { إن أتاكم عذاب الله } أي عذبكم الله بعد أعذاره عليكم وإرساله الرسل { بغتة } أي مفاجأة { أو جهرة } أي علانية وإنما قابل البغتة بالجهرة لأن البغتة تتضمن معنى الخفية لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون. وقيل: البغتة أن يأتيهم ليلاً والجهرة أن يأتيهم نهاراً عن الحسن { هل يهلك } أي لا يهلك بهذا العذاب: { إلا القوم الظالمون } أي الكافرون الذين يكفرون بالله ويفسدون في الأرض. وقيل: إنهم كانوا يستدعون العذاب فبيّن أنه إذا نزل لا يهلك به إلا الكافرون فإن هلك فيه مؤمن أو طفل فإنما يهلك محنة ويعوضه الله على ذلك أعواضاً كثيرة يصغر ذلك في جنبها والمراد بذلك عذاب الدنيا دون عذاب الآخرة.
ثمّ بيّن سبحانه أنه لا يبعث الرسل أرباباً يقدرون على كل شيء يسألون عنه من الآيات وأنما يرسلهم لما يعلمه من المصالح فقال { وما نرسل المرسلين إلاّ مبشرين ومنذرين } ثم ذكر ثواب من صدقهم في باقي الآية وعقاب من كَذَّبهم في الآية الثانية فقال { فمن أمن } أي صدّق الرسل { وأصلح } أي عمل صالحاً في الدنيا { فلا خوف عليهم } في الآخرة { ولا هم يحزنون } كما يحزن أهل النار. وقيل: لا يحزنون على ما خلفوا وراءهم في الدنيا { والذين كذبوا بآياتنا } أي أدلتنا وحججنا. وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته { يمسهم العذاب } يصيبهم العذاب يوم القيامة { بما كانوا يفسقون } أي بفسقهم وخروجهم عن الإيمان.