التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ
١٣
-الممتحنة

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: من أصحاب القبور أي من بعث أصحاب القبور فحذف المضاف ويجوز أن يكون من تبييناً للكفار والتقدير كما يئس الكفار الذين هم من أصحاب القبور من الآخرة.
المعنى: ثم ذكر سبحانه بيعة النساء وكان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال وهو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية فشرط الله تعالى في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط وهو قوله { يا أيها النيي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } على هذه الشرائط وهي { أن لا يشركن بالله شيئاً } من الأصنام والأوثان { ولا يسرقن } لا من أزواجهن ولا من غيرهم { ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن } على وجه من الوجوه لا بالوأد ولا بالإسقاط { ولا يأتين ببهتان يفترينه } أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد { بين أيديهن وأرجلهن } أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس.
وقال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم. وقيل: البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات والكذب على الناس وإضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر والمستقبل من الزمان.
{ ولا يعصينك في معروف } وهو جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر إلا بالمعروف والمعروف نقيض المنكر وهو كل ما دل العقل والسمع على وجوبه أو ندبه وسمي معروفاً لأن العقل يعترف به من جهة عظم حسنه ووجوبه. وقيل: عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيب وخمش الوجه والدعاء بالويل عن المقاتلين والكلبي والأصل أن المعروف كل بر وتقوى وأمر وافق طاعة الله تعالى.
{ فبايعهن } على ذلك { واستغفر لهن الله } أي اطلب من الله أن يغفر لهن ذنوبهن ويسترها عليهن { إن الله غفور } أي صفوح عنهن { رحيم } منعم عليهن.
"وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعهن وكان على الصفا وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تسرقن فقالت هند: إن أبا سفيان رجل ممسك وإني أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحل لي أم لا فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة قالت: نعم فأعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تزنين فقالت هند: أو تزني الحرة فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تقتلن أولادكن فقالت هند: ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً وأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب (ع) يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ولما قال: ولا تأتينّ ببهتان فقالت هند: والله إن البهتان قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ولما قال ولا يعصينك في معروف فقالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء" .
وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية أن لا يشركن بالله شيئاً وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا يد امرأة يملكها رواه البخاري في الصحيح.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس فيه يده ثم غمسن أيديهن فيه. وقيل: إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي والوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين والأنفس والأزواج وكان ذلك في صدر الإسلام ولئلا ينفتق بهن فتق لما وضع من الأحكام فبايعهن النبي صلى الله عليه وسلم حسماً لذلك.
ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم } أي لا تتولوا اليهود وذلك أن جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم فنهى الله عن ذلك عن المقاتلين. وقيل: أراد جميع الكفار أي لا تتخذوا كافراً من الكفار أولياء.
ثم وصف الكفار فقال { قد يئسوا من الآخرة } أي من ثواب الآخرة { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } يعني أن اليهود بتكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وهم يعرفون صدقه وأنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ وخير كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله عن مجاهد وسعيد ابن جبير. وقيل: كما يئس كفار العرب من أن يحيا أهل القبور أبداً عن الحسن. وقيل: كما يئس الكفار من أن ينالهم خير من أصحاب القبور. وقيل: يريد بالكفار ها هنا الذين يدفنون الموتى أي يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من الآخرة كما يئس الذين دفنوا الموتى منهم.
النظم: ختم الله سبحانه السورة بالأمر بقطع الموالاة من الكفار كما افتتحها به.