التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٦
عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧
لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٨
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
-الممتحنة

مجمع البيان في تفسير القرآن

النزول: نزل قوله { لا ينهاكم الله } الآية في خزاعة وبني مدلج وكانوا صالحوا رسول الله على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحداً عن ابن عباس.
المعنى: ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال { لقد كان لكم فيهم } أي في إبراهيم ومن آمن معه { أسوة حسنة } أي قدوة حسنة وإنما أعاد ذكر الأسوة لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب والأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار.
وقوله { لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر } بدل من قوله لكم وهو بدل البعض من الكل مثل قوله
{ { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } [آل عمران: 97] وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قوله واليوم الآخر. وقيل: يرجو ثواب الله وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر { ومن يتول } أي ومن يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم والأنبياء والمؤمنين والذين معه فقد أخطأ حظ نفسه وذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه وهو قوله { فإن الله هو الغني الحميد } أي الغني عن ذلك المحمود في جميع أفعاله فلا يضره توليه ولكنه ضرّ نفسه.
{ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم } أي من كفار مكة { مودة } بالإسلام قال مقاتل: لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت هذه الآية والمعنى أن موالاة الكفار لا تنفع والله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان وتحصل المودة بينكم وبينهم فكونوا على رجاء وطمع من الله أن يفعل ذلك وقد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح فحصلت المودة بينهم وبين المسلمين { والله قدير } على نقل القلوب من العداوة إلى المودة وعلى كل شيء يصح أن يكون مقدوراً له { والله غفور } لذنوب عباده { رحيم } بهم إذا تابوا وأسلموا.
{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم } أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال وبرهم ومعاملتهم بالعدل وهو قوله { أن تبروهم وتقسطوا إليهم } أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد عن الزجاج. وقيل: إن المسلمين استأمروا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يبرّوا أقرباءهم من المشركين وذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين فنزلت هذه الآية وهي منسوخة بقوله
{ { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [التوبة: 5] عن ابن عباس والحسن وقتادة.
وقيل: إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة ولم يهاجر عن قتادة. وقيل: هي عامة في كل من كان بهذه الصفة عن ابن الزبير والذي عليه الإجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس بمحرم وإنما الخلاف في إعطائهم مال لزكاة والفطرة والكفارات فلم يجوزه أصحابنا وفيه خلاف بين الفقهاء وقوله أن تبروهم في موضع جر بدل من الذين وهو بدل الاشتمال وتقديره لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم.
{ إن الله يحب المقسطين } أي العادلين. وقيل: يحب الذين يجعلون لقراباتهم قسطاً مما في بيوتهم من المطعومات.
ثم قال { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } من أهل مكة وغيرهم { وأخرجوكم من دياركم } أي منازلكم وأملاككم { وظاهروا على إخراجكم } أي عاونوا على ذلك وعاضدوهم وهم العوام والأتباع عاونوا رؤساءهم على الباطل { أن تولوهم } أي ينهاكم الله عن أن تولوهم وتوادّوهم وتحبوهم والمعنى أن مكاتبتكم بينهم بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم { ومن يتولهم } منكم أي يوالهم وينصرهم { فأولئك هم الظالمون } يستحقون بذلك العذاب الأليم.