التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٥
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٦
إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
١٧
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١٨
-التغابن

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة طلحة بن مصرف نهد قلبه بالنون وقراءة السلمي يهد قلبه بضم الياء والباء على ما لم يسم فاعله وقراءة عكرمة وعمرو بن دينار يهدا قلبه مهموزاً وقراءة مالك بن دينار يهدأ بالألف.
الحجة: من قرأ يهدأ مهموزاً فمعناه يطمئن قلبه كما قال سبحانه:
{ { وقلبه مطمئن بالإيمان } [النحل: 106] ومن قرأ بالألف فإنه لين الهمز تخفيفاً.
النزول: نزل قوله { من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم } في قوم أرادوا الهجرة فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها عن ابن عباس ومجاهد.
المعنى: ثم قال سبحانه { ما أصاب من مصيبة } أي ليس تصيبكم مصيبة { إلا بإذن الله } والمصيبة المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبها وإنما عمَّ ذلك سبحانه وإن كان في المصائب ما هو ظلم وهو سبحانه لا يأذن بالظلم لأنه ليس منها إلا ما أذن الله في وقوعه أو التمكن منه وذلك أذن للملك الموكل به كأنه قيل لا يمنع من وقوع هذه المصيبة وقد يكون ذلك بفعل التمكين من الله فكأنه يأذن له بأن يكون. وقيل: معناه إلا بتخلية الله بينكم وبين من يريد فعلها عن البلخي. وقيل: إنه خاص فيما يفعله الله تعالى أو يأمر به. وقيل: معناه بعلم الله أي لا يصيبكم مصيبة إلا والله عالم بها.
{ ومن يؤمن بالله } أي يصدّق به ويرضى بقضائه { يهد قلبه } أي يهد الله قلبه حتى يعلم أن ما أصابه فبعلم الله فيصبر عليه ولا يجزع لينال الثواب والأجر. وقيل معناه ومن يؤمن بتوحيد الله ويصبر لأمر الله يعني عند نزول المصيبة يهد قلبه الاسترجاع حتى يقول إنا لله وإنا إليه راجعون عن ابن عباس. وقيل: إن المعنى { يهد قلبه } فإن ابتلي صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر عن مجاهد وقال بعضهم في معناه من يؤمن بالله عند النعمة فيعلم أنها فضل من الله يهد قلبه للشكر ومن يؤمن بالله عند البلاء فيعلم أنه عدل من الله يهد قلبه للصبر ومن يؤمن بالله عند نزول القضاء يهد قلبه للاستسلام والرضا { والله بكل شيء عليم } فيجازي كل امرىء بما عمله.
{ وأطيعوا الله } في جميع ما أمركم به { وأطيعوا الرسول } في جميع ما أتاكم به ودعاكم إليه وفيما أمركم به ونهاكم عنه { فإن توليتم } أي فإن أعرضتم عن القبول منه { فإنما على رسولنا البلاغ المبين } أي ليس عليه إلا تبليغ الرسالة وقد فعل والمراد ليس عليه قهركم على الردّ إلى الحق وإنما عليه البلاغ الظاهر البيّن فحذف للإيجاز والاختصار { الله لا إله إلا هو } ولا تحقّ العبادة إلا له { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } والتوكل تفويض الأمور إليه والرضا بتقديره والثقة بتدبيره وقد أمر لله عباده بذلك فينبغي لهم أن يستشعروا ذلك في سائر أحوالهم { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم } يعني أن بعضهم بهذه الصفة ولذلك أتى بلفظة من وهي للتبعيض يقول إن من هؤلاء مَنْ هو عدوٌّ لكم في الدين فاحذروهم أن تطيعوهم. وقيل: إنه سبحانه إنما قال ذلك لأن من الأزواج من يتمنى موت الزوج ومن الأولاد من يتمنى موت الوالد ليرث ماله وما من عدوّ أعدى ممن يتمنى موت غيره ليأخذ ماله وكذلك يكون من يحملك على معصية الله لمنفعة نفسه ولا عدوَّ أشد عداوة ممن يختار ضررك لمنفعته. قال عطاء: يعني قوماً أرادوا الغزو فمنعهم هؤلاء وقال مجاهد يريد قوماً أرادوا طاعة الله فمنعوهم { وإن تعفوا } أي تتركوا عقابهم { وتصفحوا وتغفروا } أي تتجاوزوا عنهم وتستروا ما سبق منهم إن عادوا إلى الحالة الجميلة وذلك أن الرجل من هؤلاء إذا هاجر ورأى الناس قد سبقوه بالهجرة وفقهوا في الدين هَمَّ أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه عن الهجرة وأن يلحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم فأمر سبحانه بالعفو والصفح { فإن الله غفور رحيم } يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم. وقيل: هو عام أي إن تعفوا وتصفحوا عمن ظلمكم فإن الله يغفر بذلك كثيراً من ذنوبكم عن الجبائي.
{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة } أي محنة وابتلاء وشدة للتكليف عليكم وشغل عن أمر الآخرة فإن الإنسان بسبب المال والولد يقع في الجرائم عن ابن مسعود قال لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين (ع) وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال:
"صدق الله عز وجل { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" ثم أخذ في خطبته { والله عنده أجر عظيم } أي ثواب جزيل وهو الجنة يعني فلا تعصوه بسبب الأموال والأولاد ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر والذخر.
{ فاتقوا الله ما استطعتم } أي ما أطقتم والاتقاء الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو إليه الهوى ولا تنافي بين هذا وبين قوله
{ { اتّقوا الله حق تقاته } [آل عمران: 102] لأن كل واحد منهما إلزام لترك جميع المعاصي فمن فعل ذلك فقد اتقى عقاب الله لأن من لم يفعل قبيحاً ولا أخلَّ بواجب فلا عقاب عليه إلا أن في أحد الكلامين تبييناً أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق وكل أمر أمر الله به فلا بدَّ أن يكون مشروطاً بالاستطاعة وقال قتادة: قوله { فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخ لقوله { اتقوا الله حق تقاته } وكأنه يذهب إلى أن فيه رخصة لحال التقية وما جرى مجراها مما يعظم فيه المشقة وإن كانت القدرة حاصلة معه وقال غيره ليس هذا بناسخ وإنما هو مبيّن لإمكان العمل بهما جميعاً وهو الصحيح.
{ واسمعوا } من الرسول ما يتلو عليكم وما يعظكم به ويأمركم وينهاكم { وأطيعوا } الله والرسول { وأنفقوا } من أموالكم في حق الله { خيراً لأنفسكم } مثله فآمنوا خيراً لكم وانتهوا خيراً لكم وقد مضى ذكر ذلك وقال الزجاج معناه قدّموا خيراً لأنفسكم من أموالكم.
{ ومن يوق شحَّ نفسه } حتى يعطي حق الله من ماله { فأولئك هم المفلحون } أي المنجحون الفائزون بثواب الله وقال الصادق (ع) من أدّى الزكاة فقد وقى شحَّ نفسه { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً } قد مضى معناه وإطلاق اسم القرض هنا تلطف في الاستدعاء إلى الإنفاق { يضاعفه لكم } أي يعطي بدله أضعاف ذلك من واحد إلى سبعمائة إلى ما لا يتناهى فإن ثواب الصدقة يدوم { ويغفر لكم } ذنوبكم { والله شكور } أي مثيب مجاز على الشكر { حليم } لا يعاجل العباد بالعقوبة وهذا غاية الكرم.
{ عالم الغيب والشهادة } أي السر والعلانية. وقيل: المعدوم والموجود. وقيل: غير المحسوس والمحسوس { العزيز } القادر { الحكيم } العالم. وقيل: المحكم لأفعاله.