التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٣٠
فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة الحسن ألا إنما طيرهم عند الله بغير ألف.
الحجة: الطير جمع طائر في قول أبي الحسن وفي قول صاحب الكتاب الطائر اسم للجمع بمنزلة الجامل والباقر غير مكسر وروي عن قطرب أن الطير قد يكون واحداً كما أن الطائر واحد ويجوز أن يكون الطائر جمعاً كالجامل أنشد ابن الأعرابي:

كَأنَّــهُ تَهْتانُ يَــوْمٍ ماطِــــرِ على رُؤُوسٍ كَرُؤُوسِ الطائِرِ

اللغة: العرب تقول أخذتهم السنة إذا كانت قحطة ويقال أسنت القوم إذا أجدبوا وإنما قيل للسنة المجدبة السنة ولم يقُل للمخصبة لأنها نادرة في الانفراد بالجدب والنادر أحق بالانفراد بالذكر لانفراده بالمعنى الذي ندر به قالوا وجدنا البلاد سنين أي جدوباً قال:

وَأَمْوالُ اللِّئامِ بِكُلِّ أرْضٍ تُجَحِّفُها الجَوائِحُ وَالسِّنُونُ

وقال آخر:

كَأنَّ النَّاس إذْ فَقَدُوا عَلِيّاً نَعامٌ جالَ في بَلَدٍ سِنينا

أي في بلد جدب والتطير الطيرة من الشيء وهو التشاؤم به واشتقاقه من الطير وطائر الإنسان عمله أخذ من ذلك لأن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو الذي يأتي من جهة الشمال وتتبرك بالسانح وهو الذي يأتي من قبل اليمين قال الشاعر:

زَجَرْتُ لَها طَيْرَ الشِّمَالِ فَإنْ يَكُنُ هَواكَ الَّذي تَهْوي يُصِبْكَ اجْتِنابُها

ثم كثر ذلك فسمي نصيب الإنسان طائره ويقال طار له من القسم كذا وكذا وأنشد ابن الأعرابي:

فإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتِ مِنِّي إذا مــا طارَ مِنْ مالي الثَّمِينُ

يريد الزوجة إذا أخذ ثمنها من ماله.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه ما فعله بآل فرعون وأقسم عليه فقال { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } اللام للقسم وقد يقرب الماضي من الحال لأنه إذا توقع كون أمر فقيل قد كان دلَّ على قربه من الحال وآل الرجل خاصته الذين يؤول أمره إليهم وأمرهم إليه ومعناه ولقد عاقبنا قوم فرعون بالجدوب والقحوط { ونقص من الثمرات } أي وأخذناهم مع القحط وإجداب الأرض بنقصان من الثمرات { لعلهم يذكرون } أي يخافون فيوحِّدون الله فلم يتذكروا. وقيل: لكي يتفكَّروا في ذلك ويرجعوا إلى الحق قال الزجاج: إنما أخذوا بالضراء لأن أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند الله ألا ترى إلى قولـه
{ { وإذا مسَّه الشر فذو دعاء عريض } [فصلت: 51]. وقيل: معناه لكي تتذكروا أن فرعون لو كان إلهاً لما كان يستسلم لذلك الضُرّ وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة وفي أنه سبحانه يريد الكفر فإنه بيّن أنه أراد منهم التذكر والرجوع إلى الله.
{ فإذا جاءتهم الحسنة } يعني الخصب والنعمة والسعة في الرزق والسلامة والعافية { قالوا لنا هذه } أي إنا نستحقُّ ذلك على العادة الجارية لنا من نعمنا وسعة أرزاقنا في بلادنا ولم يعلموا أنه من عند الله سبحانه فيشكروه عليه ويؤدُّوا شكر النعمة فيه { وإن تصبهم سيئة } أي جوع وبلاء وقحط المطر وضيق الرزق وهلاك الثمر والمواشي { يطيّروا بموسى ومن معه } أي يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء وتفسيره يتشاءموا بهم عن الحسن ومجاهد وابن زيد وقالوا ما رأينا شرّاً ولا أصابنا بلاء حتى رأيناكم.
{ ألا إنما طائرهم عند الله } معناه إلا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به من العقاب عند الله يفعل بهم في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا عن الزجاج. وقيل: إن معناه إن الله تعالى هو الذي يأتي بطائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر فلو عقلوا لطلبوا الخير والسلامة من الشر من قبله وقال الحسن: معناه إلا أن ما تشاءموا به محفوظ عليهم حتى يجازيهم الله يوم القيامة { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ولا يتفكرون ليعلموا.