التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ
٩٠
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٩١
ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ
٩٢
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: غَني بالمكان يغني غِناً وغُنياناً أقام به كأنه استغنى بذلك المكان عن غيره والمغاني المنازل وأصل الباب الغني. قال حاتم طيء:

غَنَيْنا زَماناً بِالتَّصَعْلُكِ وَالغِنى فَكُــلاَّ سَقاناه بِكَأسَيْهِمَـــا الدَّهْرُ
فَما زادَنا بَغْياً عَلى ذِي قِرابَــةٍ غَنانا وَلا أَزْرْى بِأَحْسابِنَا الفَقْرُ

والأَسى شدة الحزن يقول أسي يأسي أساً وقال:

يقولون لا تهلك أسىً وتجمّلِ

الإِعراب: إنكم إذاً لخاسرون جواب القسم وقد سدَّ مسدُّ جواب الشرط من قولـه لئن وإذا ها هنا ملغاة لأَنها وقعت حشو الكلام وما بعدها يعتمد على ما قبلها الذين كذبوا سيما الأَول في موضع رفع بالابتداء وخبره كأن لم يغنوا فيها وإنما أعيد مرة ثانية من غير كناية لتغليظ الأَمر في تكذيبهم شعيباً مع البيان أنهم الذين حصلوا على الخسران لا من نسبوه إلى ذلك من أهل الإِيمان وهم في قولـه هم الخاسرين فصل وإنما دخل الفصل مع أن المضمر لا يوصف لأَنه يحتاج فيه إلى التوكيد ليتمكن معناه في النفس وإن الذي بعده من المعرفة لا يخرجه ذلك من معنى الخبر وإن كان الأصل في الخبر النكرة.
المعنى: ثم حكى الله سبحانه ما قالت الجماعة الكافرة الجاحدة بآيات الله فقال { وقال الملأَ الذين كفروا من قومه } أي من قوم شعيب الباقين منهم { لئن اتّبعتم شعيباً } في دينه وتركتم دينكم انقياداً لأَمره ونهيه لأَن الاتباع هو طلب الثاني موافقة الأَول فيما دعا إليه { إنكم إذاً لخاسررن } والخسران ذهاب رأس المال فكأنهم قالوا إن اتبعتموه كنتم بمنزلة من ذهب رأس ماله. وقيل: خاسرون مغبونون عن ابن عباس. وقيل: هالكون.
{ فأخذتهم الرجفة } أي فأخذ قوم شعيب الزلزلة عن الكلبي. وقيل: أرسل الله عليهم رمدة وحرّاً شديداً فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء وأنضجهم الحرّ فبعث الله تعالى سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظلُّ السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم ناراً ورجفت بهم الأَرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي وصاروا رماداً وهو عذاب يوم الظلة عن ابن عباس وغيره من المفسرين. وقيل: بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا عن أبي عبد الله (ع). وقيل: إنه كان لشعيب قومان قوم أهلكوا بالرجفة وقوم هم أصحاب الظلة.
{ فأصبحوا في دارهم } أي منازلهم { جاثمين } أي ميتين ملقين على وجوههم { الذين كذَّبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها } أي كأنهم لم يقيموا بها قطُّ لأَن المهلك يصير كأن لم يكن. وقيل: كأن لم يغنوا فيها كأن لم يعيشوا فيها مستغنين عن قتادة. وقيل: كأن لم يعمروا فيها عن ابن عباس.
{ الذين كذَّبوا شعيباً } عاد اللفظ تأكيداً وتغليظاً { كانوا هم الخاسرون } مرَّ معناه بيَّن سبحانه انهم الخاسرون دون من آمن به { فتولّى عنهم } شعيب أي أعرض عنهم لما رأى إقبال العذاب عليهم إعراض الآيس منهم { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي } فيما أمرني فلم تؤمنوا { ونصحت لكم } فلم تقبلوا ومعناه أن ما نزل بكم من البلاء وإن كان عظيماً فقد استوجبتم ذلك بجنايتكم على أنفسكم { فكيف آسى } أي فكيف أحزن { على قوم كافرين } حلَّ العذاب بهم مع استحقاقهم له وقولـه فكيف آسى وإن كان على لفظ الاستفهام فالمراد به النفي لأَن جوابه في هذا الموضوع لا يصحُّ إلا بالنفي وإنما يدخله معنى الإِنكار أيضاً لهذه العلة وهذا كما قال العجاج:

أَطَرَباً وأنْتَ قِـنَّسْــريُّ

وهذا تسلٍ من شعيب بما يذكر من حاله معهم في مناصحته لهم وتأديته رسالة ربه إليهم وأنه لا ينبغي أن يأسى عليهم مع تمرّدهم في كفرهم وشدة عتوّهم قال البلخي: وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالخير وأنه لا يجوز الحزن على هلاك الكافرين والظالمين.