التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً
٢١
قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً
٢٢
إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً
٢٣
حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً
٢٤
قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً
٢٥
عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً
٢٦
إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً
٢٧
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
٢٨
-الجن

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ يعقوب ليعلم بضم الياء والباقون ليعلم بفتح الياء والمعنيان متقاربان.
اللغة: الملتحد الملتجأ بالميل إلى جهة والرصد جمع راصد وهو الحافظ. الإعراب: بلاغاً منصوب لأنه بدل من ملتحد أي لن أجد ملجأ إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلني به فهو ملجأي ورسالاته منصوبة بالعطف على محذوف والتقدير إلا بلاغاً من الله وآياته ورسالاته قوله من أضعف ناصراً جملة من مبتدأ وخبر هي تعليق وناصراً نصب على التمييز وكذلك قوله { عدداً } وقوله { أقريب ما توعدون } الاستفهام مع ما في حيزه تعليق إلا من ارتضى يجوز أن يكون من مبتدأ وقوله فإنه يسلك خبره ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً وعدداً انتصابه على ضربين أحدهما: على معنى وأحصى كل شيء في حال العدد فلم يخف عليه سقوط ورقة ولا حبة ولا رطب ولا يابس والآخر: أن يكون في موضع المصدر لأن معناه وعدَّ كل شيء عدداً عن الزجاج.
المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد للمكلفين { إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً } أي لا أقدر على دفع الضرر عنكم ولا إيصال الخير إليكم وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى ولكنّي رسول ليس عليّ إلا البلاغ والدعاء إلى الدين والهداية إلى الرشاد وهذا اعتراف بالعبودية وإضافة الحول والقوة إليه تعالى.
ثم قال { قل } لهم يا محمد { إني لن يجيرني من الله أحد } أي لا يمنعني أحد مما قدره الله عليّ { ولن أجد من دونه } أي من دون الله { ملتحداً } أي ملتجأ إليه أطلب به السلامة { إلا بلاغاً من الله } أي تبليغاً من الله آياته { ورسالاته } فإنه ملجأي ومنجاي وملتحدي ولي فيه الأمن والنجاة عن الحسن والجبائي. وقيل: معناه لا أملك لكم ضراً ولا رشداً فما عليَّ إلا البلاغ عن الله فكأنه قال: لا أملك شيئاً سوى تبليغ وحي الله بتوفيقه وعونه عن قتادة. وقيل: إن قوله { إلا بلاغاً } يحتمل معنيين أحدهما: إلا ما بلغني من الله أي لا يجيرني شيء إلا ما أتاني من الله فلا فرق بين أن يقول بلغني كتابه وأن يقول أتاني كتابه والثاني: إلا تبليغ ما أنزل إليَّ فأما القبول والإيمان فليس إليَّ وإنما ذلك إليكم عن أبي مسلم.
وقيل: إنه عطف رسالاته على البلاغ فوجب أن يكون غيره فالأولى أن يكون أراد بالبلاغ ما بلغه من توحيد الله وعدله وما يجوز عليه وما لا يجوز وأراد بالرسالة ما أرسل لأجله من بيان الشرائع.
ولما بيَّن سبحانه أنه لا ملجأ من عذابه إلا طاعته عقَّبه بوعيد من قارف معصيته فقال { ومن يعص الله ورسوله } أي خالف أمره في التوحيد وارتكب الكفر والمعاصي { فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً } جزاء على ذلك { حتى إذا رأوا } في الآخرة { ما يوعدون } به من العقاب في الدنيا. وقيل: هو عذاب الاستئصال { فسيعلمون } عند ذلك { من أضعف ناصراً وأقل عدداً } المشركون أم المؤمنون. وقيل: أجند الله أم الذي عبده المشركون وإنما قال من أضعف ناصراً ولا ناصر لهم في الآخرة لأنه جاء على جواب من توهم أنه إن كانت الآخرة فناصرهم أقوى وعددهم أكثر وفي هذا دلالة على أن المراد بقوله { ومن يعص الله ورسوله } الكفار وكانوا يفتخرون على النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة جموعهم ويصفونه بقلة العدد فبيَّن سبحانه أن الأمر سينعكس عليهم.
{ قل } يا محمد { إن أدري } أي لست أعلم { أقريب ما توعدون } به من العذاب { أم يجعل له ربي أمداً } أي مهلة وغاية ينتهي إليها قال عطاء أراد أنه لا يعرف يوم القيامة إلا الله وحده { عالم الغيب } أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة { فلا يظهر على غيبه أحداً } أي لا يطلع على الغيب أحداً من عباده.
ثم استثنى فقال { إلا من ارتضى من رسول } يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب لتكون آية معجزة لهم ومعناه أن من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة وهو قوله { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً } والرصد الطريق أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الأنبياء والسلف وعلم ما يكون بعده طريقاً. وقيل: معناه أنه يحفظ الذي يطلع عليه الرسول فيجعل من بين يديه ومن خلفه رصداً من الملائكة يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة. وقيل: رصداً من بين يدي الرسول ومن خلفه وهم الحفظة من الملائكة يحرسونه عن شّر الأعداء وكيدهم فلا يصل إليه شّرهم.
وقيل: المراد به جبرائيل (ع) أي يجعل من بين يديه ومن خلفه رصداً كالحجاب تعظيماً لما يتحمله من الرسالة كما جرت عادة الملوك بأن يضموا إلى الرسول جماعة من خواصهم تشريفاً له وهذا كما روي أن سورة الأنعام نزلت ومعها سبعون ألف ملك.
{ ليعلم } الرسول { أن قد أبلغوا } يعني الملائكة قال سعيد بن جبير: ما نزل جبرائيل بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة فيعلم الرسول أنه قد أبلغ الرسالة على الوجه الذي قد أمر به. وقيل: ليعلم من كذب الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات الله عن مجاهد. وقيل: ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغ جميعهم { رسالات ربهم } كما أبلغ هو إذ كانوا محروسين محفوظين بحفظ الله عن قتادة. وقيل: ليعلم الله أن قد أبلغوا عن الزجاج. وقيل: معناه ليظهر المعلوم على ما كان سبحانه عالماً ويعلمه واقعاً كما كان يعلم أنه سيقع. وقيل: أراد ليبلغوا فجعل بدل ذلك قوله ليعلم إبلاغهم توسعاً عن الجبائي وهذا كما يقول الإنسان ما علم الله ذلك مني أي ما كان ذلك أصلاً وأنه لو كان لعلم الله ذلك فوضع العلم موضع الكون.
{ وأحاط بما لديهم } أي أحاط الله علماً بما لدى الأنبياء والخلائق وهم لا يحيطون إلا بما يطلعهم الله عليه مما هو عند الله { وأحصى كل شيء عدداً } أي أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق لم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل عن ابن عباس. وقيل: معناه عدّ جميع المعلومات المعدومة والموجودة عدّاً فعلم صغيرها وكبيرها وقليلها وكثيرها وما يكون وما لا يكون وما كان وما لم يكن ولو كان كيف كان. وقيل: معناه لا شيء يعلمه عالم أو يذكره ذاكر إلا وهو تعالى عالم به ومحص إياه عن الجبائي. قال: الإحصاء فعل وليس هو بمنزلة العلم فلا يجوز أن يقال أحصى ما لا يتناهى كما يجوز أن يقال علم ما لا يتناهى فإن حمل على العلم تناول جميع المعلومات وإن حمل على العدّ تناول الموجودات.