التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً
١
فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً
٢
وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً
٣
فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً
٤
فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْراً
٥
عُذْراً أَوْ نُذْراً
٦
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ
٧
فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ
٨
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ
٩
وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ
١٠
وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ
١١
لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ
١٢
لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ
١٣
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ
١٤
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٥
-المرسلات

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الحجاز والشام وأبو بكر ويعقوب وسهل عذراً ساكنة الذال أو نذراً بضمها وروى محمد بن الحبيب عن الأعشى والبرجمي عن أبي بكر بضم الذال فيهما ومحمد بن خالد عن الأعشى عذراً بسكون الذال أو نذراً بضمها مثل رواية حماد ويحيى عن أبي بكر وقرأ الباقون بسكون الذال فيهما وقرأ أبو جعفر وقتت بالواو والتخفيف وقرأ أهل البصرة غير رويس بالواو والتشديد وقرأ الباقون اقتت بالألف وتشديد القاف.
الحجة: قال أبو علي النذر بالتثقيل والنذير مثل النكر والنكير وهما جميعاً مصدران ويجوز في النذير ضربان أحدهما: أن يكون مصدراً كالنكير وعذير الحي والآخر: أن يكون فعيلاً يراد به المنذر كما أن الأليم بمعنى المؤلم ويجوز تخفيف النذر على حد التخفيف في العنق والعُنُق والأُذُن والأذن. قال أبو الحسن: عذراً أو نذراً أي إعذاراً أو إنذاراً وقد خففتا جميعاً وهما لغتان فأما انتصاب عذراً فعلى ثلاثة أضرب أحدها: أن يكون بدلاً من الذكر من قوله { فالملقيات ذكراً } والآخر: أن يكون مفعول ذكراً أي فالملقيات أن يذكر عذراً أو نذراً والثالث: أن يكون منصوباً على أنه مفعول له ويجوز في قول من ضم عذراً أو نذراً أن يكون عُذُراً جمع عاذر أو عذور والنُذُر جمع نذير قال حاتم:

أَماوِيَّ قَدْ طالَ التَّجَنُّبُ وَالهَجْرُ وَقَــدْ عَذَرَتْنــي في طِلابِكُمُ العُذْرُ

فيكون عذراً أو نذراً على هذا حالاً من الإلقاء كأنهم يلقون الذكر في حال العذر والإنذار ومن قرأ وقتت بالواو فلأن الكلمة أصلها من الوقت ومن أبدل منها الهمزة فلانضمام الواو والواو إذا انضمت أولاً في وجوه ووعود وثالثة في نحو أدؤر فإنها تبدل على الاطراد همزة لكراهتهم الضمة على الواو.
المعنى: { والمرسلات عرفاً } يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي صالح فعلى هذا يكون عرفاً نصباً على الحال من قولهم جاؤوا إليه عرفاً واحداً أي متتابعين. وقيل: إنها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه وفي رواية أخرى عن ابن مسعود وعن أبي حمزة الثمالي عن أصحاب علي عنه (ع) وعلى هذا يكون مفعولاً له. وقيل: المراد بها الأنبياء جاءت بالمعروف والإرسال نقيض الإمساك.
{ فالعاصفات عصفاً } يعني الرياح الشديدات الهبوب والعصوف مرور الريح بشدة.
{ والناشرات نشراً } وهي الرياح التي تأتي بالمطر تنشر السحاب نشراً للغيث كما تلقحه للمطر. وقيل: إنها الملائكة تنشر الكتب عن الله تعالى عن أبي حمزة الثمالي وأبي صالح. وقيل: أنها الأمطار تنشر النبات عن أبي صالح في رواية أخرى. وقيل: الرياح ينشرها الله تعالى نشراً بين يدي رحمته عن الحسن. وقيل: الرياح تنشر السحاب في الهواء عن الجبائي.
{ فالفارقات فرقاً } يعني الملائكة تأتي بما يفرق به بين الحق والباطل والحلال والحرام عن ابن عباس وأبي صالح. وقيل: هي آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال عن الحسن وأبي حمزة وقتادة. وقيل: إنها الرياح التي تفرق بين السحاب فتبدده عن مجاهد.
{ فالملقيات ذكراً } يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء وتلقيه الأنبياء إلى الأمم عن ابن عباس وقتادة كأنها الحاملات للذكر الطارحات له ليأخذه من خوطب به والإلقاء طرح الشيء على غيره.
{ عذراً أو نذراً } أي للإعذار والإنذار ومعناه إعذاراً من الله وإنذاراً إلى خلقه. وقيل: عذراً يعتذر الله به إلى عباده في العقاب أنه لم يكن إلا على وجه الحكمة ونذراً أي إعلاماً بموضوع المخافة عن الحسن وهذه أقسام ذكرها الله تعالى. وقيل: أقسم الله سبحانه برب هذه الأشياء عن الجبائي قال لا يجوز القسم إلا بالله سبحانه وقال غيره بل أقسم بهذه الأشياء تنبيهاً على عظم موقعها.
{ إنما توعدون لواقع } هذا جواب القسم والمعنى أن الذي وعدكم الله به من البعث والنشور والثواب والعقاب لكائن لا محالة. وقيل: إن الفرق بين الواقع والكائن أن الواقع لا يكون إلاّ حادثاً تشبيهاً بالحائط الواقع لأنه من أبين الأشياء في الحدوث والكائن أعم منه لأنه بمنزلة الموجود الثابت يكون حادثاً وغير حادث.
ثم بيَّن سبحانه وقت وقوعه فقال { فإذا النجوم طمست } أي محيت آثارها وأذهب نورها وأزيل ضوؤها { وإذا السماء فرجت } أي شقت وصدعت فصار فيها فروج { وإذا الجبال نسفت } أي قلعت من مكانها كقوله سبحانه
{ { ينسفها ربي نسفاً } [طه: 105]. وقيل: نسفت أذهبت بسرعة حتى لا يبقى لها أثر في الأرض.
{ وإذا الرسل أقتت } أي جمعت لوقتها وهو يوم القيامة لتشهد على الأمم وهو قوله { لأي يوم أجلت } أي أخرت وضرب لهم الأجل لجمعهم تعجب العباد من ذلك اليوم عن إبراهيم ومجاهد وابن زيد. وقيل: اقتت معناه عرفت وقت الحساب والجزاء لأنهم في الدنيا لا يعرفون متى تكون الساعة. وقيل: عرفت ثوابها في ذلك اليوم وقال الصادق عليه السلام أقتت أي بعثت في أوقات مختلفة.
ثم بيَّن سبحانه ذلك اليوم فقال { ليوم الفصل } أي يوم يفصل الرحمن بين الخلائق ثم عظم ذلك اليوم فقال { وما أدراك ما يوم الفصل } ثم أخبر سبحانه حال من كذب به فقال { ويل يومئذٍ للمكذبين } هذا تهديد ووعيد إنما خصَّ الوعيد بمن جحدوا يوم القيامة وكذب به لأن التكذيب بذلك يتبعه خصال المعاصي كلها وإن لم يذكر معه والعامل في الظرف محذوف يدل عليه قوله { إنما توعدون لواقع } والتقدير فإذا طمست النجوم وفرجت السماء ونسفت الجبال وأقتت الرسل وقعت القيامة.