التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
-الأنفال

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعلي بن الحسين وأبو جعفر بن محمد بن علي الباقر وزيد بن علي وجعفر بن محمد الصادق عليهم السلام وطلحة بن مصرف يسألونك الأنفال.
الحجة: قال ابن جني: هذه القراءة بالنصب مؤدية عن السبب للقراءة الأخرى التي هي عن الأنفال وذلك أنهم إنما سألوه عنها تعرضاً لطلبها واستعلاماً لحالها هل يسوغ طلبها وهذه القراءة بالنصب أصرح بالتماس الأنفال وبيان عن الغرض في السؤال عنها فإن قلت هل يحسن حملها على حذف حرف الجر كأنه قال يسألونك عن الأنفال فلما حذف عن نصب المفعول كقولـه:

امرتك الخير فافعل ما أمِرتَ به

قيل هذا شاذ إنما يحمله الشعر فأما القرآن فيختار له أفصح اللغات وإن كان قد جاء { { واختار موسى قومه } [الأعراف: 155] { واقعدوا لهم كل مرصد } [التوبة: 5] فإن الأظهر ما قدمناه.
اللغة: الأنفال جمع نفل والنفل الزيادة على الشيء يقال نفلتك كذا إذا زدته قال لبيد:

إنّ تَقْوَى رَبِنّا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإذْنِ اللهِ رَيْثِي وَالعَجَلْ

. وقيل: النفل العطية ونفلتك أعطيتك والنافلة عطية التطوع من حيث لا يجب ومنه نوافل الصلاة والنوفل الرجل الكثير العطية.
المعنى: { يسألونك } أي يسألك يا محمد جماعة من أصحابك { عن الأنفال } اختلف المفسرون في الأنفال ههنا فقيل هي الغنائم التي غنمها النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو المروي عن عكرمة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد. وقيل: هي أنفال السرايا عن الحسن بن صالح بن حي. وقيل: هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من عبد أو جارية من غير قتال أو ما أشبه ذلك عن عطاء. وقيل: هو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يعمل به ما شاء. وقيل: هو ما سقط من المتاع بعد قسمته الغنائم من الغرس والزرع والرمح عن ابن عباس في رواية أخرى وروي عنه أيضاً أنه سلب الرجل وفرسه ينفل النبي صلى الله عليه وسلم من شاء.
وقيل: هي الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس عن مجاهد في رواية أخرى وصَحّت الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا إن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ويسميها الفقهاء فيء وميراث من لا وارث له وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب والآجام وبطون الأودية والأرضون الموات وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه وقالا هي لله وللرسول وبعده لمن قام مقامه فيصرفه حيث شاء من مصالح نفسه ليس لأحد فيه شيء وقالا: إن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة فسألوه أن يعطيهم وقد صح أن قراءة أهل البيت عليهم السلام يسألونك الأنفال.
فقال الله تعالى: { قل } يا محمد { الأنفال لله والرسول } وكذلك ابن مسعود وغيره إنما قرؤوا كذلك على هذا التأويل فعلى هذا فقد اختلفوا في كيفية سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال "هؤلاء" إنّ أصحابه سألوه أن يقسم غنيمة بدر بينهم فأعلمهم الله سبحانه أن ذلك لله ولرسوله دونهم وليس لهم في ذلك شيء وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس وابن جريج والضحاك وعكرمة والحسن واختاره الطبري وقالوا: إن عن صلة ومعناه يسألونك الأنفال أن تعطيهم ويؤيد هذ القول قولـه { فاتقوا الله } إلى آخر الآية.
ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم هي منسوخة بآية الغنيمة وهي قولـه { واعلموا أنما غنمتم من شيء } وقال بعضهم ليست بمنسوخة وهو الصحيح لأن النسخ يحتاج إلى دليل ولا تنافي بين هذه الآية وآية الخمس وقال آخرون إنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الأنفال وعلمها فقالوا لمن الأنفال وتقديره يسألونك عن الأنفال لمن هي ولهذا جاء الجواب بقولـه { قل الأنفال لله والرسول } وقال آخرون إنهم سألوه عن حال الغنائم وقسمتها وأنها حلال أم حرام كما كانت حراماً على من قبلهم فبين لهم أنها حلال واختلفوا أيضاً في سبب سؤالهم فقال ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:
"من جاء بكذا فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا" فتسارع الشبّان وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشُبّان ما كان قد نفلهم النبي صلى الله عليه وسلم به فقال الشيوخ كنا ردءاً لكم ولو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا وجرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري أخي بني سلمة وبين سعد بن معاذ كلام فنزع الله تعالى الغنائم منهم وجعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية.
وقال عبادة بن الصامت: اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله فقسمه بيننا على السواء وكان ذلك في تقوى الله وطاعته وصلاح ذات البين.
"وقال سعد بن أبي وقاص: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن أمية وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحت ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي وقلت عسى أن يعطي هذا لمن لم يُبْلَ بلائي فما جاوزت إلا قليلاً حتى جاءني الرسول وقد أنزل الله يسألونك الآية فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك" .
وقال علي بن طلحة عن ابن عباس: كانت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها فنزلت الآية وقال ابن جريج: اختلف من شهد بدراً من المهاجرين والأنصار في الغنيمة فكانوا ثلاثاً فنزلت الآية ومَلّكها اللهُ رسولَه يقسمها كما أراه الله وقال مجاهد: هي الخمس وذلك أن المهاجرين قالوا لم يرفع منا هذا الخمس ولم يخرج منا فقال الله تعالى { قل الأنفال لله والرسول } يقسمانها كما شاءا أو ينفلان منها ما شاء أو يرضخان منها ما شاءا فاتقوا الله باتقاء معاصيه وأتباع ما يأمركم به وما يأمركم به رسوله واحذروا مخالفة أمرهما.
{ وأصلحوا ذات بينكم } أي وأصلحوا ما بينكم من الخصومة والمنازعة وقولـه { ذات بينكم } كناية عن المنازعة والخصومة والذات هي الخلقة والبنية يقال فلان في ذاته صالح أي في خلقته وبنيته يعني أصلحوا نفس كل شيء بينكم أو اصلحوا حال كل نفس بينكم. وقيل: معناه وأصلحوا حقيقة وصلكم كقولـه
{ { لقد تقطع بينكم } [الأنعام: 94] أي وصلكم والمراد كونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله وكذلك معنى اللهم أصلح ذات البين أي أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون عن الزجاج وهذا نهي من الله تعالى عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر عن ابن عباس ومجاهد والسدي.
{ وأطيعوا الله ورسوله } أي اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها عن الزجاج ومعناه وأطيعوهما فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه { إن كنتم مؤمنين } مصدقين للرسول فيما يأتيكم به من قبل الله كما تدعون وفي تفسير الكلبي أن الخمس لم يكن مشروعاً يومئذ وإنما شرع يوم أحد وفيه أنه لما نزلت هذه الآية عرف المسلمون أنه لا حق لهم في الغنيمة وأنها لرسول الله فقالوا يا رسول الله سمعاً وطاعة فاصنع ما شئت فنزل قولـه
{ { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } [الأنفال: 41] أي ما غنمتم بعد بدر وروي أن رسول الله قسم غنائم بدر عن بواء أي على سواء ولم يخمس.