التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ
١٨
إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
٢٠
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
٢١
-الأنفال

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو ويعقوب برواية روح موهن بالتشديد غير منوّن، كيد بالجر على الإضافة وقرأ الباقون موهن بالتنوين والتخفيف، كيد بالنصب وقرأ حفص عن عاصم موهن بالتخفيف، كيد بالنصب وقرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص وأنّ الله مع المؤمنين بفتح الألف والباقون بكسر الألف.
الحجة: من قرأ موهن فإنه من أوهنته أي جعلته واهناً ومن شدد فإنه من وهنته كما يقال فرح وفرحته وكلاهما حسن ومن قرأ وإن الله بكسر الهمزة فإنه قطعه مما قبله ويقويه أنهم زعموا أنّ في حرفِ عبد الله والله مع المؤمنين ومن فتح الهمزة فوجهه أن يكون على تقدير ولأن الله مع المؤمنين أي لذلك لن تغني عنكم فئتكم.
اللغة: الاستفتاح طلب الفتح وهو النصر الذي تفتح به بلاد العدو والفتح أيضاً الحكم ويقال للقاضي الفتاح وأصل الباب من الفتح الذي هو ضد الإغلاق والإنتهاء ترك الفعل لأجل النهي عنه يقال نهيته فانتهى وأمرته فائتمر.
الإعراب: ذلكم موضعه رفع وكذلك أن الله في موضع رفع والتقدير الأمر ذلكم والأمر أن الله موهن وكذلك الوجه فيما تقدم من قولـه { ذلكم فذوقوه }
{ { وأن للكافرين عذاب النار } [الأنفال: 14] ومن قال إن ذلكم مبتدأ وفذوقوه خبره فقد أخطأ لأن ما بعد الفاء لا يكون خبر المبتدأ ولا يجوز زيد فمنطلق ولا زيد فاضربه إلاّ أن تضمر هذا، تريد هذا زيد فاضربه.
المعنى: { ذلكم } إشارة إلى بلاء المؤمنين خاطبهم سبحانه بعد أن أخبر عنهم ومعناه الأمر ذلكم الإنعام أو ذلكم الذي ذكرت { وأن الله موهن كيد الكافرين } بإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم قال ابن عباس: يقول إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم وأسرت أشرافهم.
{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } قيل إنه خطاب للمشركين فإن أبا جهل قال يوم بدر حين التقى الفئتان اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فانصر عليه عن الحسن ومجاهد والزهري والضحاك والسدي وفي حديث أبي حمزة قال أبو جهل: اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم وعلى هذا فيكون معناه إن تستنصروا لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر أي نصر محمد وأصحابه. وقيل: إنه خطاب للمؤمنين عن عطاء وأبي علي الجبائي ومعناه أن تستنصروا على أعدائكم فقد جاءكم النصر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال الزجاج: ويجوز أن يكون معناه أن تستحكموا وتستقضوا فقد جاءكم القضاء والحكم من الله.
{ وإن تنتهوا } أي تمتنعوا من الكفر وقتال الرسول والمؤمنين { فهو خير لكم وإن تعودوا نعد } معناه وإن تعودوا أيها المشركون إلى قتال المسلمين نعد بأن ننصرهم عليكم ونأمرهم بقتالكم { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } أي ولن تدفع عنكم جماعتكم شيئاً { ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين } بالنصر والحفظ يمكنهم منكم وينصرهم عليكم عن جماعة من المفسرين. وقيل: معناه وإن تنتهوا أيها المسلمون عما كان منكم في الغنائم وفي الأسارى من مخالفة الرسول فهو خير لكم وإن تعودوا إلى ذلك الصنيع نعد إلى الإنكار عليكم وترك نصرتكم ولن يغني عنكم حينئذ جمعكم شيئاً إذ منعناكم النصر عن عطا والجبائي.
ثم أمر سبحانه بالطاعة التي هي سبب النصرة فقال { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله } خص المؤمنين بطاعة الله ورسوله وإن كانت واجبة على غيرهم أيضاً لأنه لم يعتد بغيرهم لإعراضهم عما وجب عليهم ويجوز أن يكون إنما خصهم إجلالاً لقدرهم ويدخل غيرهم فيه على طريق التبع { ولا تولوا عنه } أي ولا تعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأنتم تسمعون } دعاءه لكم وأمره ونهيه إياكم عن ابن عباس. وقيل: معناه وأنتم تسمعون الحجة الموجبة لطاعة الله وطاعة الرسول عن الحسن.
{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } في الكلام حذف ومعناه ولا تكونوا كهم في قولـهم هذا المنكر فحذف المنهي عنه لدلالة الحال عليه وفي ذلك غاية البلاغة ومعنى قولـهم سمعنا وهم لا يسمعون أنهم سمعوه سماع عالم قابل له وليسوا كذلك والسماع بمعنى القبول كما في قولـه سمع الله لمن حمده وهؤلاء الكفار هم المنافقون عن ابن إسحاق ومقاتل وابن جريج والجبائي. وقيل: هم أهل الكتاب من اليهود وقريظة والنظير عن ابن عباس والحسن. وقيل: إنهم مشركو للعرب لأنهم قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا عن ابن زيد.