التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ
١٧
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ
١٨
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل البصرة وابن كثير مسجد الله على الواحد وهو قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والباقون مساجد الله.
الحجة: حجة من أفرد أنه عنى به المسجد الحرام وحجة من جمع أنه عنى به المسجد الحرام وغيره من المساجد ويحتمل أن يكون أراد المسجد الحرام وإنما جمع لأن كل موضع منه مسجد يسجد عليه فيكون القراءتان بمعنى.
اللغة: الأصل في المسجد هو موضع السجود في العرف ويعبَّر به عن البيت المهيأ لصلاة الجماعة فيه والعمارة أن يجدّد منه ما استرم من الأبنية ومنه أعتمر إذا زار لأنه يجدّد بالزيارة ما استره من الحال.
المعنى: لما أمر الله سبحانه بقتال المشركين وقطع العصمة والموالاة عنهم أمر بمنعهم عن المساجد فقال: { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } معناه لا ينبغي للمشركين أن يكونوا قواماً على عمارة مساجد الله ومتولين لأمرها وينبغي أن يعمرها المسلمون. وقيل: إن المراد بذلك المسجد الحرام خاصة. وقيل: هي عامة في جميع المساجد: { شاهدين على أنفسهم بالكفر } أي حال شهادتهم على أنفسهم بالكفر أو مع شهادتهم واختلف في العمارة للمسجد. فقيل: هي بدخوله ونزوله كما يقال فلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه لأن المسجد تكون عمارته بطاعة الله وعبادته وقيل: هي باستصلاحه ورَمَّ ما استرم منه لأنه إنما يعمر للعبادة عن الجبائي. وقيل: هي بأن يكونوا من أهله أي لا ينبغي أن يترك المشركون فيكونوا أهل المسجد الحرام عن الحسن، واختلف في شهادتهم على أنفسهم بالكفر كيف هي. فقيل: هي أن النصراني يسأل ما أنت. فيقول: أنا نصراني واليهودي يقول: أنا يهودي. وكذلك المشرك إذا سئل ما دينك يقول: مشرك لا يقولها أحد غير العرب عن السدي. وقيل: معناه أن كلامهم يدل على كفرهم كما يقال كلام فلان يدل على بطلان دعواه عن الحسن. وقيل: هي قولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وقيل: شهادتهم سجودهم لأصنامهم مع إقرارهم بأنها مخلوقة عن ابن عباس ومعناه أنهم يشهدون على أنفسهم بأفعالهم وأحوالهم ومن أظهر شيئاً وبيَّنه يقال قد شهد به:
{ أولئك حبطت أعمالهم } التي هي من جنس الطاعة من المؤمنين أي بطلت لأنهم أوقعوها على الوجه الذي لا يستحق لأجله الثواب عليها عند الله { وفي النار هم خالدون } أي مقيمون مؤبَّدون { إنما يعمر مساجد الله } ولفظة { إنما } لإثبات المذكور ونفي ما عداه فمعناه لا يعمر مساجد الله بزيارتها وإقامة العبادات فيها أو ببنائها ورمِّ المسترم منها إلا { من آمن بالله واليوم الآخر } أي من أقرَّ بوحدانية الله واعترف بالقيامة { وأقام الصلاة } بحدودها { وآتى الزكاة } أي أعطاها إن وجبت عليه إلى مستحقها { ولم يخش إلا الله } أي لم يخف سوى الله أحداً من المخلوقين وهذا راجع إلى قوله { أتخشونهم فالله أحقُّ أن تخشوه } أي إن خشيتموهم فقد ساويتموهم في الإشراك كما قال فلما
{ كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله } [النساء: 77] الآية { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } إلى الجنة ونيل ثوابها لأن عسى من الله واجبة عن ابن عباس والحسن وفي ذكر الصلاة والزكاة وغير ذلك بعد ذكر الإيمان بالله دلالة على أن الإيمان لا يتناول أفعال الجوارح إذ لو تناولها لما جاز عطف ما دخل فيه عليه. ومن قال: إن المراد فيه التفصيل وزيادة البيان فقد ترك الظاهر.