التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
٣٨
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النفر الخروج إلى الشيء لأمر هيج عليه ومنه نفور الدابة. يقال: نفرت الدابة نفوراً ونفر إلى الثغر نفراً ونفيراً والتثاقل تعاطي إظهار ثقل النفس ومثله التباطؤ وضده التسرع والمتاع الانتفاع بما يظهر للحواس. ومنه قولهم: تمتع بالرياض والمناظر الحسان ويقال للأشياء التي لها أثمان متاع تشبيهاً به والاستبدال جعل أحد الشيئين بدل الآخر مع الطلب له.
الإعراب: { اثاقلتم } افاعلتم وأصله تفاعلتم أدغمت التاء في الثاء لمناسبتها لها ثم أدخلت ألف الوصل ليمكن الابتداء بها ومثله ادّاركوا واتّابع في قول الشاعر:

تُولي الضَجيعَ إذا مَا اشتاقَهَا خَصِراً عَــذْبَ المَذاق إذا مَـا اتَّابَعَ الْقُبَلُ

النزول: قالوا: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم وذلك في زمان ادراك الثمار فأحبُّوا المقام في المسكن والمال وشقَّ عليهم الخروج إلى القتال وكان (ع) قلّما خرج في غزوة إلا كنَّى عنها وورّى بغيرها إلا غزوة تبوك لبعد شقتها وكثرة العدو ليتأهب الناس فأخبرهم بالذي يريد فلما علم الله سبحانه تثاقل الناس أنزل الآية.
المعنى: ثم عاتب سبحانه المؤمنين في التثاقل عن الجهاد فقال { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم } أي إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لكم { انفروا في سبيل الله } أي اخرجوا إلى مجاهدة المشركين وهو ها هنا غزوة تبوك عن الحسن ومجاهد { اثاقلتم إلى الأرض } أي تثاقلتم وملتم إلى الإقامة في الأرض التي أنتم عليها. قال الجبائي: هذا الاستبطاء مخصوص بنفر من المؤمنين لأن جميعهم لم يتثاقلوا عن الجهاد فهو عموم أريد به الخصوص بدليل { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } هذا استفهام يراد به الإنكار ومعناه آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية في النعيم الدائم { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } أي فما فوائد الدنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة ومقاصدها إلا قليل لانقطاع هذه ودوام تلك.
ثم عقَّبه سبحانه بالتهديد والوعيد فقال { إلا تنفروا يعذبكم الله عذاباً أليماً } ومعناه لا تخرجوا إلى القتال الذي دعاكم إليه الرسول وتقعدوا عنه يعذبكم الله عذاباً أليماً مؤلماً في الآخرة. وقيل: في الدنيا { ويستبدل } بكم { قوماً غيركم } لا يتخلَّفون عن الجهاد. وقيل: هم أبناء فارس عن سعيد بن جبير. وقيل: هم أهل اليمن عن أبي روق. وقيل: هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية عن الجبائي { ولا تضروه شيئاً } أي ولا تضروا الله بهذا القعود شيئاً لأنه غني لنفسه لا يحتاج إلى شيء عن الحسن وأبي علي. وقيل: معناه ولا تضروا الرسول شيئاً لأن الله عصمه من جميع الناس وينصره بالملائكة أو بقوم آخرين من المؤمنين.
{ والله على كل شيء قدير } فهو القادر على الاستبدال بكم وعلى غير ذلك من الأشياء قال الزجاج: وهذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد.