التفاسير

< >
عرض

وَٱلضُّحَىٰ
١
وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
٢
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعروة بن الزبير ما ودعك بالتخفيف والقراءة المشهورة بالتشديد وعن أشهب العقيلي فأوى بغير مدّ وعن ابن أبي السميفع عَيّلا بالتشديد عن النخعي والشعبي فلا تكهر بالكاف وكذلك هو في مصحف عبد الله.
الحجة: قال ابن جني: ودع بالتخفيف يقلّ استعماله وقال سيبويه: استغنوا عن وزر وودع بقولهم ترك وأنشد أبو علي ذلك في شعر أبي الأسود قوله:

لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلي مَا الذي غَالَــهُ فِــي الْحُبِّ حَتّـى وَدَّعَه

وأما قوله فأوى فإنه من أويته أي رحمته وأما عيّلا فإنه فيعل من العيلة وهي الفقر وهو مثل العائل ومعناهما ذو العيلة من غير جدة يقال عال الرجل يعيل عيلة إذا كثر عياله وافتقر قال الشاعر:

وَما يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتى غِناهُ وما يدرِي الغَنِيُّ مَتى يَعِيلُ

أي متى يفتقر وأما الكهر فهو مثل القهر والعرب قد تعاقب بين القاف والكاف وفي حديث معاوية بن الحكم الذي تكلم في الصلاة قال ما كهرني ولا ضربني.
اللغة: السجو السكون يقال: سجى يسجو إذا هدأ وسكن وطرف ساج وبحر ساج قال الأعشى:

فَما ذَنْبُنا إذْ جاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ وَبَحْرُكَ ساجٍ لا يُوارِي الدَّعامِصا

وقال الآخر:

يا حَبَّذَا الْقَمْراءُ وَاللَّيْلُ السَّاجْ وَطُـــرُقٌ مِثْــلُ مُــلاءِ النَّسَّاجْ

والقلى البغض إذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحت مددت قال:

عَلَيْــكِ سَلامٌ لا مُلِلْتِ قَرِيبَةً وَما لَكِ عِنْدي إنْ نَأَيْتِ قَلاءُ

ونهره وانتهره بمعنى وهو أن يصيح في وجه السائل الطالب للرفد.
الإِعراب: وما قلى أي وما قلاك وكذلك قوله { فآوى } فأغنى تقديره فآواك فأغناك فالمفعول في هذه الآي محذوف وقال { ولسوف يعطيك } ولم يقل ويعطينك وإن كان جواب القسم لأن النون إنما تدخل لتؤذن بأن اللام لام القسم لا لام الابتداء وقد حصل ها هنا العلم بأن هذه اللام للقسم لا للابتداء لدخوله على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف لأن سوف تختص بالأفعال ولام الابتداء إنما تدخل على الأسماء { فأما اليتيم فلا تقهر } تقديره فمهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ثم أقيم أما مقام الشرط فحصل أما فلا تقهر اليتيم ثم قدم المفعول على الفاء كراهة لأن تكون الفاء التي من شأنها أن تكون متبعة شيئاً فشيئاً في أول الكلام وإن كثر يجتمع في اللفظ مع أمَّا فتكون على خلاف أصول كلامهم وكذلك أمَّا بنعمة ربك فحدث.
النزول: قال ابن عباس: احتبس الوحي عنه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوماً فقال المشركون: إن محمداً قد ودعه ربه وقلاه ولو كان أمره من الله تعالى لتتابع عليه فنزلت السورة. وقيل: إنما احتبس الوحي اثني عشر يوماً عن ابن جريج. وقيل: أربعين يوماً عن مقاتل. وقيل: إن المسلمين قالوا ما ينزل عليك الوحي يا رسول الله فقال وكيف ينزل عليَّ الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلمون أظفاركم ولما نزلت السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل (ع):
"ما جئت حتى اشتقت إليك" فقال جبرائيل (ع): وأنا كنت أشدُّ إليك شوقاً ولكنّي عبد مأمور وما نتنزل إلا بأمر ربك. وقيل: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح فقال: "سأخبركم غداً" ولم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي هذه الأيام فاغتمَّ لشماتة الأعداء فنزلت السورة تسلية لقلبه. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رمي بحجر في إصبعه فقال.

هل أنـت إلا اصبــع دميــت وفــي سبيــل الله ما لقيــت

فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يوحى إليه فقالت له أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فنزلت السورة.
المعنى: { والضحى } أقسم سبحانه بنور النهار كله من قولهم ضحى فلان للشمس إذ ظهر لها ويدل عليه قوله في مقابلته { والليل إذا سجى } أي سكن واستقرّ ظلامه. وقيل: إن المراد بالضحى أول ساعة من النهار. وقيل: صدر النهار وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس واعتدال النهار في الحرّ والبرد في الشتاء والصيف. وقيل: معناه ورب الضحى ورب الليل إذا سجى عن الجبائي. وقيل: إذا سجى أي غطى بالظلمة كل شيء عن عطاء والضحاك. وقيل: إذا أقبل ظلامه عن الحسن.
{ ما ودعك ربك وما قلى } هذا جواب القسم ومعناه وما تركك يا محمد ربك وما قطع عنك الوحي توديعاً لك وما قلاك أي ما أبغضك منذ اصطفاك { وللآخرة خير لك من الأولى } يعني أن ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الدنيا الفانية والكون فيها. وقيل: إن له صلى الله عليه وسلم في الجنة ألف ألف قصر من اللؤلؤ ترابه من المسك وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم وما يشتهي على أتمّ الوصف عن ابن عباس. وقيل: معناه ولآخر عمرك الذي بقي خير لك من أوله لما يكون فيه من الفتوح والنصرة.
{ ولسوف يعطيك ربك فترضى } معناه وسيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة فيك وفي أمتك ما ترضى به وروى حرث بن شريح عن محمد بن علي ابن الحنفية أنه قال يا أهل العراق تزعمون أنَّ أرجى آية في كتاب الله عز وجل
{ { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [الزمر: 53] الآية وإنا أهل البيت (ع) نقول أرجى آية في كتاب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي والله الشفاعة ليعطينها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول رب رضيت.
وعن الصادق (ع) قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة (ع) وعليها كساء من ثلة الإِبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أبصرها فقال يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله عليَّ { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وقال زيد بن علي: إن من رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل أهل بيته الجنة وقال الصادق (ع): رضا جدّي أن لا يبقى في النار موحد.
ثم عدَّد سبحانه عليه نعمه في دار الدنيا فقال { ألم يجدك يتيماً فآوى } قيل في معناه قولان:
أحدهما: أنه تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه وبقي يتيماً فآواه الله بأن سخَّر له أولاً عبد المطلب ثم لما مات عبد المطلب قيَّض له أبا طالب وسخَّره للإِشفاق عليه وحبَّبه إليه حتى كان أحبّ إليه من أولاده فكفله وربّاه واليتيم من لا أب له وكان النبي صلى الله عليه وسلم مات أبوه وهو في بطن أمه. وقيل: إنه مات بعد ولادته بمدة قليلة وماتت أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن سنتين ومات جدّه وهو ابن ثماني سنين فسلمه إلى أبي طالب (ع) لأنه كان أخا عبد الله لأمه فأحسن تربيته وسئل الصادق (ع) لمَ أوتم النبي صلى الله عليه وسلم عن أبويه فقال لئلا يكون لمخلوق عليه حق.
والآخر: أن يكون المعنى ألم يجدك واحداً لا مثل لك في شرفك وفضلك فآواك إلى نفسه واختصك برسالته من قولهم درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل قال:

لا وَلا دُرَّةٌ يَتِيمَةُ بَحْرٍ تَتَلالا في جُؤنَةِ الْبِيَّاعِ

وقيل فآواك أي جعلك مأوى للأيتام بعد أن كنت يتيماً وكفيلاً للأنام بعد مكفولاً عن الماوردي ثم ذكر نعمة أخرى فقال { ووجدك ضالاً فهدى } قيل في معناه أقوال:
أحدها: وجدك ضالاً عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة أي كنت غافلاً عنهما فهداك إليهما عن الحسن والضحاك والجبائي ونظيره ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان وقوله
{ { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } [يوسف: 3] فمعنى الضلال على هذا هو الذهاب عن العلم مثل قوله { { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [البقرة: 282].
وثانيها: أن المعنى وجدك متحيراً لا تعرف وجوه معاشك فهداك إلى وجوه معاشك فإن الرجل إذا لم يهتد طريق مكسبه ووجه معيشته يقال إنه ضال لا يدري إلى أين يذهب ومن أيّ وجه يكتسب عن أبي مسلم وفي الحديث:
"نصرت بالرعب وجعل رزقي في ظل رمحي" يعني الجهاد.
وثالثها: أن المعنى وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه بإتمام العقل ونصب الأدلة والإِلطاف حتى عرفت الله بصفاته بين قوم ضلال مشركين وذلك من نعم الله سبحانه عليك.
رابعها: وجدك ضالاً في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب فروي أنه صلى الله عليه وسلم ضلّ في شعاب مكة وهو صغير فرآه أبو جهل وردَّه إلى جدّه عبد المطلب فمنّ الله سبحانه بذلك عليه إذ ردَّه إلى جده على يد عدوه عن ابن عباس.
وخامسها: ما روي أن حليمة بنت أبي ذؤيب لما أرضعته مدة وقضت حق الرضاع ثم أرادت ردّه على جدّه جاءت به حتى قربت من مكة فضلَّ في الطريق فطلبته جزعة وكانت تقول إن لم أره لأرمين نفسي من شاهق وجعلت تصيح وامحمداه قالت فدخلت مكة على تلك الحال فرأيت شيخاً متوكئاً على عصا فسألني عن حالي فأخبرته فقال لا تبكين فأنا أدلّك على من يردّه عليك فأشار إلى هبل صنمهم الأكبر ودخل البيت فطاف بهبل وقبَّل رأسه وقال يا سيداه لم تزل منتك جسيمة ردَّ محمداً على هذه السعدية قال فتساقطت الأصنام لما تفوّه باسم محمد صلى الله عليه وسلم وسمع صوت إن هلاكنا على يدي محمد فخرج وأسنانه تصطك وخرجت إلى عبد المطلب وأخبرته بالحال فخرج فطاف بالبيت ودعا الله سبحانه فنودي وأشعر بمكانه فأقبل عبد المطلب وتلقاه ورقة بن نوفل في الطريق فبينما هما يسيران إذ النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يجذب الأغصان ويلعب بالورق فقال عبد المطلب: فداك نفسي وحمله وردّه إلى مكة عن كعب.
وسادسها: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم خرج مع عمه أبي طالب في ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته فعدل به عن الطريق فجاء جبرائيل (ع) فنفخ إبليس نفخة رفع بها إلى الحبشة وردَّه إلى القافلة فمنَّ الله عليه بذلك عن سعيد بن المسيب.
وسابعها: أن المعنى وجدك مضلولاً عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وأرشدهم إلى فضلك والاعتراف بصدقك والمراد أنك كنت خاملاً لا تذكر ولا تعرف فعرفك الله الناس حتى عرفوك وعظموك.
{ ووجدك عائلاً } أي فقيراً لا مال لك { فأغنى } أي فأغناك بمال خديجة والغنائم. وقيل: فأغناك بالقناعة ورضاك بما أعطاك عن مقاتل واختاره الفراء قال لم يكن غنياً عن كثرة المال لكن الله سبحانه أرضاه بما أتاه من الرزق وذلك حقيقة الغنى وروى العياشي بإسناده عن أبي الحسن الرضا (ع) في قوله { ألم يجدك يتيماً فآوى } قال فرداً لا مثل لك في المخلوقين فآوى الناس إليك ووجدك ضالاً أي ضالة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك ووجدك عائلاً تعول أقواماً بالعلم فأغناهم بك وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"منَّ عليَّ ربي وهو أهل المن" وقد طعن بعض الملحدين فقال كيف يحسن الامتنان بالإِنعام وهل يكون هذا من فعل الكرام والجواب: أن المنّ إنما يقبح من المنعم إذا أراد به الغض من المنعم عليه والأذى له فأما من أراد التذكير لشكر نعمته والترغيب فيه ليستحق الشاكر المزيد فإنه في غاية الحسن ولأن من كمال الجواد وتمام الكرم تعريف المنعم عليه أنه إنما أنعم عليه ليسأل جميع ما يحتاج إليه فيعطي.
ثم أوصاه سبحانه باليتامى والفقراء فقال { فأما اليتيم فلا تقهر } أي فلا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت تفعل العرب في أمر اليتامى عن الفراء والزجاج. وقيل: معناه لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيماً عن مجاهد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصي بهم.
وجاء في الحديث
"عن أبي أوفى قال كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه غلام فقال غلام يتيم وأخت لي يتيمة وأم لي أرملة أطعمنا مما أطعمك الله أعطاك الله مما عنده حتى ترضى قال: ما أحسن ما قلت يا غلام اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا فجاء بواحدة وعشرين تمرة فقال سبع لك وسبع لأختك وسبع لأمك فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال جبر الله يتمك وجعلك خلفاً من أبيك وكان من أبناء المهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتك يا معاذ وما صنعت قال رحمته قال: لا يلي أحد منكم يتيماً فيحسن ولايته ووضع يده على رأسه إلا كتب الله له بكل شعرة حسنة ومحا عنه بكل شعرة سيئة ورفع له بكل شعرة درجة" وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمرّ على يده نور يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل" وأشار بالسبابة والوسطى.
وعن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن اليتيم إذا بكى اهتزَّ لبكائه عرش الرحمن فيقول الله لملائكته يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غيب أبوه في التراب فتقول الملائكة أنت أعلم فيقول الله تعالى يا ملائكتي فإني أشهدكم أن لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة" وكان عمر إذا رأى يتيماً مسح رأسه وأعطاه شيئاً.
{ وأما السائل فلا تنهر } أي لا تنهر السائل ولا تردَّه إذا أتاك يسألك فقد كنت فقيراً فإما أن تطعمه وإما أن تردّه ردّاً ليناً وفي الحديث عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا أتاك سائل على فرس باسط كفيه فقد وجب له الحق ولو بشق تمرة" قال أبو مسلم: يريد كما أعطاك الله ورحمك وأنت عائل فاعط سائلك وارحمه وقال الجبائي: المراد بها جميع المكلفين وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنّ المراد بالسائل طلب العلم وهو متصل بقوله { ووجدك ضالاً فهدى } عن الحسن والمعنى علّم من يسألك كما علَّمك الله الشرائع وكنت بها غير عالم.
{ وأما بنعمة ربك فحدّث } معناه اذكر نعمة الله وأظهرها وحدث بها وفي الحديث:
"من لم يشكر الناس لم يشكر الله ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر" . وقيل: يريد بالنعمة القرآن عن الكلبي قال: وكان القرآن أعظم ما أنعم الله عليه به فأمره أن يقرأه. وقيل: بالنبوة التي أعطاك ربك عن مجاهد واختاره الزجاج قال أي بلّغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاكها الله وهي أجل النعم. وقيل: معناه اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة قال الصادق (ع): معناه فحدث بما أعطاك الله وفضلك ورزقك وأحسن إليك وهداك.
النظم: وجه اتصال قوله { للآخرة خير لك من الأولى } بما قبله أن في قوله { ما ودعك ربك وما قلى } إثباتاً لمحبته سبحانه إياه وإنعامه عليه فاتصل هذا أيضاً به والتقدير ليس الأمر كما قالوه بل الوحي يأتيك ما عمرت وتدوم محبتي لك وما أعطيتك في الآخرة من الشرف ورفعة المنزلة خير مما أعطيتك اليوم فإذا حسدوك على ذا فكيف بهم إذا رأوا ذلك وأما اتصال قوله { ألم يجدك } بما قبله فوجهه أنه اتصال ذكر النعم بذكر المنعم والتقدير أنه سبحانه سينعم عليك في مستقبل أمرك كما أنعم عليك في الماضي من أمرك.