التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
-العاديات

تفسير القرآن

{ والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً } [1-3] حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: { والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً }، قال: هذه السورة نزلت في أهل وادي اليابس قال: قلت وما كان حالهم وقصتهم؟ قال: إن أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على أن لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل أحد أحداً ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على حلف واحد أو يقتلوا محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فنزل جبرائيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وتواثقوا وأمره أن يبعث فلاناً إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
"يا معشر المهاجرين والأنصار إن جبرائيل أخبرني أن أهل وادي اليابس اثني عشر ألف فارس قد استعدوا وتعاقدوا وتعاهدوا أن لا يغدر رجل لصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني وأخي علي بن أبي طالب وقد أمرني أن أسير إليهم فلاناً في أربعة آلاف فارس فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا إليهم على اسم الله وبركته يوم الاثنين إن شاء الله تعالى" فأخذ المسلون عدتهم وتهيئوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فلاناً بأمره وكان فيما أمره به أنه إذا رآهم أن يعرض عليهم الإِسلام فإن تابعوه وإلا واقعهم فيقتل مقاتليهم ويسبي ذراريهم ويستبيح أموالهم ويخرب ضياعهم وديارهم، فمضى فلان ومن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيئة يسير بهم سيراً رفيقاً حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل فلان وأصحابه قريباً منهم، خرج إليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح، فلما صادفوهم قالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟ ليخرج إلينا صاحبكم حتى نكلمه.
فخرج إليهم فلان في نفر من أصحابه المسلمين فقال لهم: أنا فلان صاحب رسول الله، قالوا ما أقدمك علينا؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أعرض عليكم الإِسلام فإن تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم ما لهم وعليكم ما عليهم وإلا فالحرب بيننا وبينكم، قالوا له: أما واللات والعزى لولا رحم بيننا وقرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك قتلة تكون حديثاً لمن يكون بعدكم فارجع أنت ومن معك واربحوا العافية فإنا إنما نريد صاحبكم بعينه وأخاه علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقال فلأن لأصحابه: يا قوم! القوم أكثر منكم أضعافاً وأعد منكم وقد ناء‌ت داركم عن إخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بحال القوم، فقالوا له جميعاً خالفت يا فلان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أمرك به فاتق الله وواقع القوم ولا تخالف رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: إني أعلم ما لا تعلمون الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فانصرب وانصرف الناس أجمعون، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بمقالة القوم وما رد عليهم فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فلان خالفت أمري ولم تفعل ما أمرتك وكنت لي والله عاصماً فيما أمرتك فقام النبي صلى الله عليه وآله وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين إني أمرت فلاناً أن يسير إلى أهل وادي اليابس وأن يعرض عليهم الإِسلام ويدعوهم إلى الله فإن أجابوه وإلا واقعهم وأنه سار إليهم وخرج إليه منهم مائتا رجل فإذا سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع أمري، وإن جبرائيل أمرني عن الله أن أبعث إليهم فلاناً مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس فسر يا فلاناً على اسم الله ولا تعمل كما عمل أخوك فإنه قد عصى الله وعصاني وأمره بما أمر به الأول فخرج وخرج معه المهاجرون والأنصار الذين كانوا مع الأول يقتصد بهم في سيرهم حتى شارف القوم وكان قريباً منهم بحيث يراهم ويرونه، وخرج إليهم مائتا رجل فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم للأول فانصرف وانصرف الناس معه وكاد أن يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ورجع يهرب منهم.
فنزل جبرائيل عليه السلام فأخبر محمداً صلى الله عليه وآله بما صنع هذا وأنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر بما صنع هذا وما كان منه وأنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفاً لأمري عاصياً لقولي؛ فقدم عليه فأخبره مثل ما أخبره به صاحبه فقال له يا فلان عصيت الله في عرشه وعصيتني وخالفت قولي وعملت برأيك ألا قبح الله رأيك وإن جبرائيل عليه السلام قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين وأخبرني أن الله يفتح عليه وعلى أصحابه، فدعا علياً عليه السلام وأوصاه بما أوصى به الأول والثانى وأصحابه الأربعة آلاف فارس وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج علي عليه السلام ومعه المهاجرين والأنصار فسار بهم سيراً غير سير فلان وفلان وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب وتحفى دوابهم فقال لهم: لا تخافوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمر وأخبرني أن الله سيفتح علي وعليكم فابشروا فإنكم على خير وإلى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم وساروا على ذلك السير والتعب حتى إذا كانوا قريباً منهم حيث يرونهم ويراهم أمر أصحابه أن ينزلوا وسمع أهل وادي اليابس بقدوم علي بن أبي طالب وأصحابه فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي عليه السلام خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم من أنتم ومن أين أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه ورسوله إليكم، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكم إن آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر، فقالوا له إياك أردنا وأنت طلبتنا قد سمعنا مقالتك وما عرضت علينا هذا ما لا يوافقنا فخذ حذرك واستعد للحرب العوان واعلم إنَّا قاتلوك وقاتلوا أصحابك والموعد فيما بيننا وبينك غداً ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينكم.
فقال لهم علي عليه السلام: ويلكم! تهددوني بكثرتكم وجمعكم! فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانصرفوا إلى مراكزهم وانصرف علي عليه السلام إلى مركزه فلما جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى داوبهم ويقضموا ويسرجوا.
فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس ثم أغار عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى وطأتهم الخيل فيما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبي ذراريهم واستباح أموالهم وخرب ديارهم وأقبل بالأسارى والأموال معه ونزل جبرائيل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما فتح الله بعلي عليه السلام وجماعة المسلمين، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلين ونزل فخرج يستقبل علياً في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه علي عليه السلام مقبلاً نزل عن دابته ونزل النبي صلى الله عليه وآله حتى التزمه وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة المسلمين إلى علي عليه السلام حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله به من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام: ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن يكون من خيبر فإنها مثل ذلك، وأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم هذه السورة { والعاديات ضبحاً } يعني: بالعاديات الخيل تعدو بالرجال، والضبح صيحتها في أعنتها ولجمها { فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً } فقد أخبرتك أنها أغارت عليهم صبحاً قلت قوله: { فأثرن به نقعاً }.