التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
٦٩
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ
٧٠
-هود

تفسير القرآن

أما قوله: { ولقد جاء‌ت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } [69] أي: مشوي نضج فإنه لما ألقى نمرود إبراهيم عليه السلام في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً بقي إبراهيم مع نمرود وخاف نمرود من إبراهيم فقال يا إبراهيم أخرج من بلادي ولا تساكني فيها، وكان إبراهيم عليه السلام قد تزوج بسارة وهي بنت خاله وقد كانت آمنت به، وآمن له لوط وكان غلاماً، وقد كان إبراهيم عليه السلام عنده غنيمات وكان معاشه منها فخرج إبراهيم من بلاد نمرود ومعه سارة في صندوق وذلك أنه كان شديد الغيرة، فلما أراد الخروج من بلاد نمرود منعوه وأرادوا أن يأخذوا منه غنيماته، وقالوا له هذا ما كسبته في سلطان الملك وبلاده وأنت مخالف له فقال لهم إبراهيم بيني وبينكم قاضي الملك سدوم (سندوم ك) فصاروا إليه وقالوا إن هذا مخالف لدين الملك وما معه كسبه في بلاد الملك ولا ندعه يخرج معه شيئاً فقال سندوم صدقوا خل عما في في يديك، فقال إبراهيم عليه السلام إنك إن لم تقض بالحق تمت الساعة، قال وما الحق قال: قل لهم يردوا علي عمري الذي افنيته في كسب ما معي حتى أرد عليهم، فقال سندوم يجب أن تردوا عمره فخلوا عنه عما كان في يده فخرج إبراهيم وكتب نمرود في الدنيا ألا تدعوه يسكن العمران فمر ببعض عمال نمرود وكان كل من مر به يأخذ عشر ما معه وكانت سارة مع إبراهيم في الصندوق، فأخذ عشر ما كان مع إبراهيم ثم جاء إلى الصندوق فقال له لا بد من أن أفتحه فقال إبراهيم عليه السلام عده ما شئت وخذ عشره فقال لا بد من أن تفتحه ففتحه فلما نظر إلى سارة تعجب من جمالها فقال لإِبراهيم ما هذه المرأة التي هي معك؟ قال هي أختي وإنما عني أخته في الدين، قال العاشر لست ادعك تبرح من مكانك حتى أعلم الملك بحالك وحالها فبعث رسولاً إلى الملك فأمر أجناده فحملت الصندوق إليه فهم بها ومد يده إليها فقالت له أعوذ بالله منك فجفت يده والتصقت بصدره وأصابته من ذلك شدة، فقال يا سارة ما هذا الذي أصابني منك؟ فقالت: بما هممت به، فقال: قد هممت لك بالخير فادعي الله أن يردني إلى ما كنت، فقالت اللهم إن كان صادقاً فرده كما كان فرجع إلى ما كان وكانت على رأسه جارية فقال يا ساره خذي هذه الجارية تخدمك وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام فحمل إبراهيم سارة وهاجر فنزلوا البادية على ممر طريق اليمن والشام وجميع الدنيا فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الإِسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا أن الملك ألقاه في النار فلم يحترق وكانوا يقولون له لا تخالف دين الملك فإنه يقتل من خالفه، وكان إبراهيم كل من يمر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر والنبات والخير وكان الطريق عليها، فكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاء‌هم إبليس في صورة شيخ فقال لهم أدلكم على ما إن فعلتموه لم يمر بكم أحد، فقالوا ما هو؟ قال: من مر بكم فانكحوه في دبره فاسلبوه ثيابه ثم تصور لهم إبليس في صورة أمرد حسن الوجه جميل الثياب فجاء‌هم فوثبوا عليه ففجروا به كما أمرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس ذلك إلى إبراهيم عليه السلام فبعث الله إليهم لوطاً يحذرهم وينذرهم فلما نظروا إلى لوط قالوا من أنت؟ قال: أنا ابن خال إبراهيم الذي ألقاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله برداًَ وسلاماً وهو بالقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا هذا فإن الله يهلككم فلم يجسروا عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من أيديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا له: { { لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين } [الشعراء: 167] أي: لنرجمنك ولنخرجنك فدعا عليهم لوطاً فبينما إبراهيم عليه السلام قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان أضاف قوماً وخرجوا ولم يكن عنده شيء فنظر إلى أربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون الناس فقالوا سلاماً فقال إبراهيم سلام، فجاء إبراهيم إلى سارة فقال لها قد جاء أضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله إليهم وذلك قول الله عز وجل: { ولقد جاء‌ت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة } [69-70] وجاء‌ت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لإِبراهيم: { لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط } ففزعت سارة، وضحكت أي: حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل.