التفاسير

< >
عرض

فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٤
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
٩٥
-الحجر

تفسير القرآن

وقوله { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين } [94-95] فإنها نزلت بمكة بعد أن نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين وذلك أن النبوة نزلت على رسول الله يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام بجنبه وكان مع أبي طالب عليه السلام جعفر فقال له أبو طالب صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله فبدر رسول الله صلى الله عليه وآله من بينهما فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي وعلي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمون به فلما أتى لذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه: { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين } والمستهزؤن برسول الله صلى الله عليه وآله خمسة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب (المطلب ط) والأسود بن عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي، أما الوليد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليه لما كان يبلغه من أذائه واستهزائه فقال اللهم أعم بصره واثكله بولده فعمي بصره وقتل ولده ببدر (وكذلك دعا على الأسود بن يغوث والحارث بن طلاطلة ط) فمر الوليد بن المغيرة برسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرائيل عليه السلام فقال جبرائيل: يا محمد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟ قال: نعم وقد كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالاً له فوطى على بعضها فأصاب عقبه قطعة من ذلك فدميت فلما مر بجبرائيل أشار إلى ذلك الموضع فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره وكانت ابنته نائمة أسفل منه فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرائيل أسفل عقبه فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته فانتبهت فقالت الجارية انحل وكاء القربة، قال ما هذا وكاء القربة ولكنه دم أبيك فاجمعي لي ولدي وولد أخي فإني ميت، فجمعتهم فقال لعبد الله بن أبي ربيعة إن عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيعة فخذ كتاباً من محمد إلى النجاشي أن يرده ثم قال لابنه هاشم وهو أصغر أولاده يا بني أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك بقتل أبي درهم الدوسي فإنه غلبني على امرأتي وهي بنته ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابناً مثلك ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلي وأخاف أن تنسوا بعدي ودمي في بني خزيمة بن عامر ودياتي (رثاثي ك ودياني خ ل) في ثقيف فخذه ولأسقف نجران علي مائتا دينار فأقضها ثم فاضت نفسه ومر ربيعة بن الأسود برسول الله صلى الله عليه وآله فأشار جبرائيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار جبرائيل إلى بطنه فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه، ومر العاص بن وائل فأشار جبرائيل إلى رجليه فدخل عود في أخمص قدمه وخرج من ظاهره ومات ومر به الحرث ابن طلاطلة فأشار جبرائيل إلى وجهه فخرج إلى جبال تهامة فأصابته من السماء ديم استسقى حتى انشق بطنه وهو قوله الله: { إنا كفيناك المستهزئين }.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقام على الحجر فقال:
"يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وآمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكاً في الجنة" فاستهزؤا منه وقالوا جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا فإن كان يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالاً فيكون أكثر قريش مالاً ونزوجه أي امرأة شاء من قريش، فقال له أبو طالب ما هذا يابن أخي؟ فقال: يا عم هذا دين الله الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله بعثني الله رسولاً إلى الناس، فقال يا بن أخي إن قومك قد أتوني يسألوني أن أسئلك أن تكف عنهم، فقال يا عم لا استطيع أن أخالف أمر ربي فكف عنه أبو طالب ثم اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا أنت سيد من ساداتنا فادفع إلينا محمداً لنقتله وتملك علينا، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة يقول فيها:

ولما رأيت القوم لا ود عندهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل
كذبتم وبيت الله يبرؤ محمد (نبرئ محمداً ط) ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة لأن شاكت محمداً شوكة لأبثن عليكم بني هاشم فادخله الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار قائماً على رأسه بالسيف أربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضر أبا طالب الوفاة فدخل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يجود بنفسه فقال: يا عم ربيت صغيراً وكفلت يتيماً فجزاك الله عني خيراً أعطني كلمة أشفع لك فيها عند ربي، فروي أنه لم يخرج من الدنيا حتى أعطى رسول الله الرضى، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو قمت المقام المحمود لشفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي كان مواخياً في الجاهلية.
وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وابن أبي حمزة الثمالي قالوا سمعنا أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهم السلام يقول لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع نزل بالإِبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء وبكى بكاءً شديداً ثم قال: يا رب إنك وعدتني في أبي وأمي وعمي أن لا تعذبهم بالنار، قال فأوحى الله إليه إني آليت على نفسي أن لا يدخل جنتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله وأنك عبدي ورسولي ولكن أئت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي، فقام النبي صلى الله عليه وآله إلى الشعب فناداهم وقال يا أبتاه ويا أماه ويا عماه فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم فقال لهم رسول الله ألا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله بها فقالوا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً حقاً وأن جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحق فقال ارجعوا إلى مضاجعكم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة وقدم إليه علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أبشرك يا علي! فقال أمير المؤمنين بأبي أنت وأمي لم تزل مبشراً، فقال ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك وتعالى في سفرنا هذا وأخبره الخبر فقال له علي عليه السلام الحمد لله قال وأشرك رسول الله صلى الله عليه وآله في بدنته أباه وأمه وعمه.