التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٢٧
-البقرة

تفسير القرآن

أما قوله: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } الآية فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن إبراهيم عليه السلام كان نازلاً في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غماً شديداً لأنه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجا إن تركتها استمتعتها وان أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج إسماعيل وأمه فقال يا رب إلى أي مكان؟ قال إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة فأنزل الله عليه جبرائيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا قال يا جبرائيل إلى ها هنا إلى ها هنا فيقول لا أمض، امض حتى أتى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء‌اً وكان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء وهو جبل بذي طوى التفت إليهم إبراهيم فقال { { ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } [إبراهيم: 37] ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسمى ونادت هل في الوادي من أنيس، فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى جمعت حوله رملاً فإنه كان سائلاً فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت "زمزم" وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ فقالت أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه أمره الله أن ينزلنا ها هنا فقالوا لها أيها المباركة أفتأذني لنا أن نكون بالقرب منكما؟ فقالت حتى يأتي إبراهيم فلما زارهم إبراهيم عليه السلام يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله إن ها هنا قوماً من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا افتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم نعم فأذنت فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فآنست هاجر وإسماعيل بهم فلما زارهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بهم سروراً شديداً فلما ترعرع إسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين فكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها.
فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت فقال يا رب في أي بقعه قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت ولم يدر في أي مكان يبنيه فبعث الله جبرائيل عليه السلام فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضاً من الثلج فلما لمسته أيدي الكفار أسود، فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة أزرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الأول وجعل له بابين باب إلى المشرق وباب إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر والأذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنون تحته.
فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ونزل عليهما جبرائيل عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتوا من الماء لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم عليه السلام فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت { رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } قال من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم ويعودوا إليهم.