التفاسير

< >
عرض

فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
-الروم

تفسير القرآن

قال علي بن إبراهيم في قوله:
{ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلي فدك فاخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منها فجاء‌ت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر، فقالت يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله، فقال لها هاتي على ذلك شهوداً فجاء‌ت بأم أيمن فقالت لا أشهد حتى احتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: أنشدك الله، ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن أم أيمن من أهل الجنة؟ قال: بلى، قالت: فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله { فآت ذا القربى حقه } فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي عليه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال: هذا فيء المسلمين وقال: أوس ابن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن علياً زوجها يجر إلى نفسه، وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه، فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي عليه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر! لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين فإن أقامت شهوداً ان رسول الله صلى الله عليه وآله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا قال فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شيء وادعى فيه المسلمون فتسألني البينة على ما في يدي! وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا علي شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم! فسكت أبو بكر ثم قال: عمر يا علي دعنا من كلامك فأنا لا نقوى على حججك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.
فقال: أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم قال: فاخبرني عن قول الله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فيمن نزلت أفينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم قال: فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعاً؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين قال: كنت إذاً عند الله من الكافرين، قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله ان جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لها فدك وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بايل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فيء المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس وبكى بعضهم فقالوا صدق والله علي ورجع علي عليه السلام إلى منزله.
قال: ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي تبكي وتقول:

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قد كان بعدك أنباء وهنيئة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنا وكل الخير محتجب
وكنت بدراً ونوراً يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب
فقمصتنا رجال واستخف بنا إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
فكل أهل له قرب ومنزلة عند الاله على الأدنين يقترب
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لما مضيت وحالت دونك الكثب
فقد رزينا بما لم يرزأه أحد من البرية لا عجم ولا عرب
وقد رزينا به محضاً خليقته صاني الضرائب والأعراق والنسب
فأنت خير عباد الله كلهم وأصدق الناس حين الصدق والكذب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت منا العيون بهمال لها سكب
سيعلم المتولي ظلم خامتنا يوم القيامة أني كيف ينقلب

قال: فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت مجلس علي منا اليوم، والله لان قعد مقعداً مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال: عمر الرأي أن تأمر بقتله، قال فمن يقتله؟ قال: خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال: حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب، قالا فهو ذاك، فقال خالد متى أقتله؟ قال: أبو بكر إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلمت فقم إليه فاضرب عنقه، قال: نعم فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة فاقرئيهما السلام وقولي لعلي أن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج أني لك من الناصحين فجاء‌ت الجارية إليهما فقالت لعلي عليه السلام ان أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول ان الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج أني لك من الناصحين، فقال: علي عليه السلام قولي لها ان الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.
ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة على وبأسه فلم يزل متفكراً لا يجسر ان يسلم حتى ظن الناس أنه قدسها، ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال أمرني بضرب عنقك، قال وكنت تفعل؟ قال: إي والله لولا أنه قال: لي لا تفعل لقتلتك بعد التسليم، قال فأخذه علي عليه السلام فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة فقال الناس يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه، قال فالتفت إلي عمر أخذ بتلابيبه قال: يابن الصهاك لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا اضعف ناصراً وأقل عدداً ثم دخل منزله.